3‏/7‏/2015

ألا ننصب تمثالا لقاسم سليماني؟


صائب خليل
24 حزيران 2015

كنت أسكن في بروكسل في شقة صغيرة تشرف على "شارع تشرشل" الذي تتوسطه ساحة دائرية باسم نفس الرجل، حيث ينتصب تمثاله بمعطفه الشتوي الثقيل، ينظر إلى رواد الترامات التي تتجمع وتتوزع من تلك الساحة..





طالما أطلت النظر إلى هذا التمثال متسائلا: لماذا ينصب الناس التماثيل للسفلة من البشر؟ فهذا الرجل معروف بسجل جرائم لا يقال عنها إلا أنها جرائم ضد الإنسانية. رغم ذلك فله شارع وساحة في عاصمة بلجيكا، وفي العديد من المدن الأوروبية، وكنت أجد ذلك من الناحية الإنسانية أمراً غير مستساغ. وقد سبق لي أن لاحظت أن العديد من مدن هولندا الكبرى، تحتوي على "شارع روزفلت". ورغم أن روزفلت أفضل من تشرشل، لكنه بالتأكيد ليس من عظماء الإنساينة.

بقيت طوال سنوات إقامتي في بروكسل أشعر بالعداء لهذا التمثال، لكن للبلجيكيين سبب واضح ومهم يبرر نصبه، وهو ان تشرشل أسهم بقراراته، بتحرير بلادهم من النازية، مثلما أن تسمية الشوارع الهولندية العديدة باسم روزفلت يعود إلى أن الشعب الهولندي يشعر أن لروزفلت دور وفضل بتحرير بلادهم أيضاً.

إنني كغريب، لا أشعر بهذا الفضل، وأحكم بمقياس الإنسانية وحده، وأدرك أن تشرشل او روزفلت ربما كانا مستعدين لقصف بروكسل وروتردام بالقنابل الكيمياوية وحتى الذرية إن وجدا فيها مصلحتهما، لكني رغم ذلك أعود واضطر إلى تفهم ما دفع البلجيكيين لتجاوز كل هذا ونصب تمثال للرجل الذي أسهم بتحرير بلادهم من الغزاة الألمان، وهو ما جعلهم يتساهلون في الأمور الأخرى بلا شك. أليس الإحترام الشديد  لمصالحهم وحياتهم وحريتهم هو ما يميزهم عني فيتجاوزون الكثير من الحقائق لمن دافع عنها؟ اليست الطريقة الأوروبية أكثر عقلانية من طريقة تفكيرنا المتميزة ببعض الحدة والتعصب ؟ رغم ذلك لم اكن استطيع سوى أن أرى في كل مرة أمر من ساحة تشرشل، تمثالا قبيحاً لشخص قبيح.




لنعد الآن إلى سؤال عنوان مقالتي: ألا ننصب تمثالا لقاسم سليماني؟ والذي ربما صدمت منه. الحقيقة ان "الصدمة" التي في العنوان هي فخ نصب لك عزيزي القارئ. وافترض أنك قد وقعت في الفخ. وها أنت تجد نفسك مصدوم من شيء، ثم ترى أنه أمر طبيعي جداً يمارس مثله الهولنديين والبلجيك. فإن لم يكن في تصرف البلجيك ما يصدم العقل، فأن صدمتك لا بد أن تكون رد فعل غير طبيعي..!

المقال في الحقيقة ينتهي هنا، ويمكنك أن تتوقف عن القراءة وتذهب للتفكير بالأمر، فالهدف ليس حقاً الدعوة لبناء أي تمثال (رغم أن ذلك سيكون رمزاً رائعاً للشفاء) إنما الهدف هو أن نراجع تقييمنا للأمور وكيف اننا صرنا من ناحية لا نبالي بما تراه الشعوب الأخرى كوارثاً، و "نصدم" بما تراه تلك الشعوب طبيعيا!
لقد اردت من عنوان المقالة صدمة اعلامية يكشف رد الفعل عليها مدى الخلل عند القارئ، فكلما كانت الصدمة اقوى لديك ، كلما كان الخلل أكبر في المنطق الذي صرت تفكر به، وكانت إصابتك اشد.
لكن اطمئن، فليس فينا خلل جيني، بل هناك سبب منطقي واضح جداً: الإعلام! فنحن كنا ومانزال تحت ضغط قصف إعلامي شديد مضاد لإيران يهدف لشيطنتها في عيوننا. ولا شك انه قد اصاب منطقنا باعوجاج كبير، وإلا فقد ضاع هدراً ما صرف عليه من الأموال.

لكن أليس من المحتمل أن تشرشل يستحق التكريم أكثر من سليماني وبالتالي يكون تصرفنا سليماً؟ تشرشل بالتأكيد ليس أفضل من قاسم سليماني من الناحية الإنسانية. فلا نعرف لسليماني تاريخ وحشي كما لتشرشل مثل دوره في "شوي" مدينة درسدن حينما لم يكن فيها أي مبرر عسكري، وتفاخره باستخدام الأسلحة الكيمياوية على القبائل الكردية (التي كان يسميها عربية)، وغيرها كثير..

كذلك فأن تشرشل لم يأت إلى هولندا يحمل بندقيته ويخاطر بحياته في ظرف عسكري مجهول ومشبوه، كما فعل قاسم سليماني. وإن لم يكن قاسم قد قتل بالفعل في تلك المغامرة، فليس ذلك لأنه كان مؤمن وبعيد عن الخطر، فلقد سبق ان قتل مستشارون إيرانيون في مثل موقفه كما حدث للقيادي في الحرس الثوري "جاسم نوري" الذي استشهد في معارك الرمادي ومهدي نوروزي وكذلك القائدين سيد رضا حسيني مقدم وحميد تقوي في سامراء.(1)
والحقيقة أن فضل سليماني ورفاقه على العراق حسب بعض التقديرات يتعدى حتى تحرير تكريت، إلى حماية العراق وعاصمته (2)
ويعترف بفضل إيران حتى وزير الدفاع السني في الحكومة الموالية لأميركا(3)

إذن لماذا نفاجأ وتصدمنا الدعوة لإقامة تمثال لقاسم سليماني في تكريت التي حررها أو لسيد رضا حسيني مقدم وحميد تقوي في سامراء مثلاً؟ كيف نفسر أننا لا نعتبر تحرير هؤلاء لمدننا ثمين إلى درجة تستحق أن نكرمه بتمثال أو إسم شارع كما يفعل الأوروبيين؟ ألا يعني هذا أننا في داخلنا لا نشعر أن مدننا ثمينة وأن حريتها مقدسة كما يفعل الأوروبيون، وإن كان شعورهم طبيعياً فأين الخلل في شعورنا وما هو سببه؟

دعونا ننظر إلى سبب آخر قد يعفينا من تهمة الخلل: ألا يكون تحرير سليماني لتكريت جزء من محاولة إيران للسيطرة على العراق؟ ليس هناك أي مؤشر لذلك. هل ارادت إيران تغيير ديموغرافية العراق وإسكان شيعة بدلا من السنة في تكريت كما أشاع البعض؟ إنه كلام فارغ ولا معنى له، فلماذا يريد الشيعة أو الإيرانيين تغيير مكان سكنهم، خاصة وأن مدنهم هي الأكثر ثروة وأماناً؟ على أية حال، ها قد أعيد سكان تكريت قبل اسبوع إلى مدينتهم وما يحيط بها، ولم نسمع بإسكان اي شيعي مكان سني فيها!
ربما كان سليماني طائفياً لذلك نرفضه؟ هراء... فلم يسبق لسليماني أن صرح شيئاً ضد العراق او ضد السنة يبرر اتهامه بالكره الطائفي. أنا لم اسمع شيئاً من هذا وسأكون ممنوناً لمن يدلني على فيديو بهذا المعنى.

أنظروا بالمقابل ما قاله أحد شيوخ السنة: «السنة لن يتخلصوا من داعش ليحل محلها قاسم سليماني في بغداد».(4) لم يثر هذا التصريح الإستهجان الذي يفترض أن يثيره وبالشدة التي يجب أن يثيرها بين السنة. فمن أين جاء هذا الرفض الغريب الذي لا نستطيع تبريره سوى بتمتمة هذر لا نستطيع إثبات أي شيء منه.

سيقول قائل: لكن هل تساعدنا إيران من أجل سواد عيوننا، او لوجه الله؟ افترض أن الأمر ليس كذلك وأنها ترى مصلحتها في ذلك، مثلما ترى أميركا مصلحتها في دعم داعش. السؤال ليس إن كانت جهة ما تدعمنا "لوجه الله"، وإنما إن كان لنا معها مصالح مشتركة أم متناقضة. وإن كان لنا معها مصالح مشتركة فيجب أن نشجعها من جانبنا على التصرف ضمن تلك المصالح المشتركة بمكافأتها خاصة عندما تتصرف بما يناسب مصلحتنا في امر مهم يتعلق بنا أكثر مما هو بها، فداعش تهدد إيران لكن تهديدها أخطر الف مرة للعراق. لم تمنع حقيقة أن تشرشل كان يعمل لما يراه مصلحته في تحرير بلجيكا، لم تمنع الشعب البلجيكي من شكره بتمثال، وهكذا تتأكد وتتثبت المصالح المشتركة وتتطور. أما حين تتحول أية حركة إيجابية من المقابل إلى اتهامات بالتدخل فإن المصالح المشتركة نفسها تضعف ويقل الدافع للتصرف ضمنها، وهذا هو الخلل الذي نراه اليوم في العراق.

من أين جاء هذا الرعب والنفور والحقد الذي لا نجد تفسيراً عقلياً له من قاسم سليماني وإيران، والذي يجعلنا نتصرف بشكل مختلف عن باقي البشر ونضحي بمصالحنا من أجله، كمصابين بخلل ذهني؟  

دعوني أحدثكم عن قصة صغيرة عن هذا الخلل. هل تذكرون حادثة إحراق بناية الوقف السني في الأعظمية؟ لقد ارسل لي الخبر أحد اقاربي، وحين تحدثنا عن المتهمين به، سارع لإرسال صورة لقاسم سليماني في سيارة ومعها خبر يفيد بأنه من المعتقد أن إيران كانت وراء الحادث وأن قاسم سليماني شوهد في المنطقة في تلك الفترة! اخبرته أن من غير المعقول أن ترسل إيران قائداً عسكرياً معروفاً لعملية تخربيبة صبيانية مثل هذه ، إلا إذا كانت تريد ان تفضح نفسها..فصمت. وتساءلت أي خلل اصاب صاحبي ليمنعه من ان يطرح هذا السؤال بنفسه على نفسه بدلا من ان يهرع لتوزيع كذبة واضحة ويسهم في انتشارها؟

إنه نفس السبب الذي يجلعنا "نفز" من جملة العنوان التي يراها جميع البشرالأسوياء طبيعية: إنه الإعلام! هو السلاح الكيمياوي الذي تركه الإحتلال لينتشر في الجو بواسطة أجهزة نفث السموم الأمريكية الإسرائيلية المسماة "فضائيات"، وكذلك مواقع الإنترنت والصحف!
دعونا نلقي نظرة صغيرة على بعض السموم التي تم بثها مؤخراً عن سليماني وكل ما يتعلق بإيران، لنرى كيف وصلنا إلى هذه الحالة المرضية.

هذا خبر يؤكد أنهم وجدوا جوازات سفر مع قتلى "داعش" كانت تحمل تأشيرات دخول لإيران من دون تأشيرة مغادرة"!(5) أي يريد أن يقنعنا أن إيران (التي لولاها لما بقيت الحكومة السورية صامدة بوجه داعش) هي التي تدعم داعش سراً!
وهذا الذيل الأمريكي فيصل القاسم يصرخ: هل دخلت إيران بلداً عربياً إلا وكان مصيره الخراب والضياع؟(6)
 وهذه" صرخة خليجية: أما آن لكم أن تستيقظوا!؟" تنبه العرب لضرورة نبذ خلافاتهم، ليس لمواجهة عدوان إسرائيلي، بل إيراني! "لأن إيران لا تبحث عن سبل التعايش مع العرب، وإنما تعمل للمواجهة. أنها تحيط بكم من كل جهة وخلاياها الثورية المتربصة تنخر جبهاتكم الداخلية تثقيفا وتنظيما وتمويلا وحصانة مستقبلية".(7)
هذا رغم أن الحقائق تقول ان العرب يعيشون تحت عدوان إسرائيلي مستمر من جهة، وأن إيران لم تعتد على أي من جاراتها لمئات السنين الماضية كما يقر المؤرخون من أعداءها واصدقاءها، من الجهة الأخرى. لكن إسرائيل خارج نطاق تأثير السلاح الإعلامي لذا يتاح للعملاء بينهم أن يصرحوا : نحن مع إسرائيل! دون ان يخشوا شيئاً! (8)
ولولا أن الله انعم بـ الدكتور عبدالله النفيسي الذي كشف مخطط إيران للسيطرة على مصر، لكانت مصر اليوم في خبر كان! (9)
وطبعاً فأن هذه "الصرخة الخليجية" لم تكن ضرورية عندما كانت إيران شاهنشاهية تغازل إسرائيل، وتفرض سيطرتها على الجزر الخليجية بالشراء أو بالقوة، بل كان ملك السعودية الحالي يرقص للشاه.(10) وكان الشاه يرسل إبنه الطفل لتقوم قائمة قادة مصر احتفالا به وتملقاً له(11)

الأغرب من كل ذلك أن بعض العراقيين يرى في مكافـأة سليماني ورفاقه تحويل في الحب والولاء من العراق إلى إيران. لكن هذا هراء كبير... لنفرض أن ولدك كان يغرق ولم تكن تستطيع له شيئاً لأنك لا تعرف السباحة، وأنت تكاد تجن وانت تراقبه وهو يغرق. ثم إن قفز أحدهم وانقذ ولدك.. الا تقفز إليه وتحتضنه وتقبله؟ هل تحتضنه وتقبله لأنك تحبه أم لأنك تحب ولدك؟ هل لو أنك رفضت أن تشكره، سيقول الناس أنك تحب ولدك أكثر أم العكس، أنك لا تكترث لولدك الذي انقذه هذا الرجل لك؟ هل كان البلجيكيين يحبون بلادهم أم بريطانيا عندما نصبوا تمثال تشرشل؟ ولماذا اختاروا تشرشل دون غيره إذن ولم ينصبوا التمثال لبريطانيين آخرين لم يحرروا أرضهم إن كان الحب لبريطانيا؟
دعونا نكون صريحين: أن رفض الإمتنان لمن أسهم بتحرير العراق ليس إلا خلل في حب العراق.. لو كان لدينا شوق لتحرير تكريت لقفزنا نحتضن من ساعدنا بتحريرها، لكننا لا نحب تكريت ولا العراق كما يحب الآخرين بلدهم.. إننا حين نرفض التعبير عن شكرنا ونتحجج بأننا لا نحب سوى العراق فاننا لا ننطلق من حبنا للعراق بل لأننا نحب أحقادنا ونفضلها على العراق...هذه هي الحقيقة!

لنلاحظ أيضاً أننا لا نحفظ حتى أسماء الشهداء "جاسم نوري" ومهدي نوروزي وسيد رضا حسيني مقدم وحميد تقوي. ولنلاحظ ايضاً أننا لم نحفظ إسم قاسم سليماني لكثرة المديح الذي ناله من دوره في تحرير أراضينا من عصابات الكوماندوز الأمريكية داعش، بل من كثرة ما أثير حوله من إعلام مضاد ومحاولات تشهير. لاحظوا أيضاً أن من ينشر اخباره استشهاد هؤلاء الشهداء في العراق، غالباً ليس القنوات الإيرانية والقنوات العراقية المؤيدة لها، بل تلك المعادية لإيران والتي تهدف إلى "فضح" التدخل الإيراني في العراق! فتحرير أراضينا تحول من عمل عظيم يمتن له الأسوياء من الشعوب، إلى فضيحة وأمر يثير الخوف بالنسبة لنا، دون أن نحس بذلك، فكيف تسرب مثل هذا الشعور المريض إلينا؟

ولنلاحظ أيضاً أن امتداح وزير الدفاع لإيران لدفاعها عن العراق يعتبر “جرأة” وحدث غير معتاد، مثلما تعتبر هذه المقالة "جرئية"! أي أننا نعيش في جو نخاف فيه أن نمتدح من ينفعنا، ولا يفعل ذلك إلا الجريء!

كل هذا يؤشر مدى استفحال الداء فينا. فما يسمى "الإعلام" العراقي (والعربي)، تحول تحت يد أعداء هذا الشعب إلى سلاح تدمير شامل للعقل، موجه بشكل خاص من قبل من يسيطر عليه لكي يلبس أعداء العرب ثوب الصديق وصديقهم ثوب العدو، لتشويش بصرهم وتسهيل قيادهم إلى مصير سيرفضوه بشدة ويقاوموه لو أنهم تمتعوا ببصر سليم. إن أردت المزيد حول دور هذا السلاح، يمكنك أن تطلع على المزيد في مقالتي هاتين. (12) (13)، وستجد أن لا غرابة في ما وصلنا إليه دون أن ندري. فمن يتعرض لسيول مستمرة من هذه السموم الكيمياوية يومياً ولسنين طويلة، يمكن أن يختل فيقفز كمن لدغته افعى حين يقترح أحد ان ينصب تمثال لمن ساعده على تحرير بلاده!

ليس هذا جديداً، ولا هو ضد العراق فقط. في الخمسينات من القرن الماضي كان هناك في الولايات المتحدة سلسلة تجارب لغسل الدماغ تمولها الجهات الأمنية المضادة للشيوعية. وكان من تجاربها تشغيل شريط مستمر يهمس بكلام معين يسمعه الضحية التي تتم التجربة عليها، ليل نهار لحقن الفكرة في رأسه وقتل مقاومة المنطق لها، وكان الهدف النهائي هو إثارة العداء للشيوعيين بشكل لا يمر من خلال المنطق. إنهم يفعلون بنا الشيء نفسه اليوم معنا وتجاه إيران، ولكن بدون أشرطة، بل من خلال سطر صغير في نهاية خبر، يبدو بريئاً ولا يثير الشكوك، لكنه يهمس في أذننا بقلق لا أساس له. خذ مثلا خبراً عن عملية إرهابية مجهولة الفاعل، ينتهي بعبارة تبدو بريئة مثل: "....هذا وقد اشتكى بعض السكان من تواجد ميليشيات تدعمها إيران في المنطقة..". إنها حقنة سم صغيرة بشكل مدروس تفعل فعلها. وقد لا تكون كذباً، قد يكون البعض قد شكا من مثل هذا، لكن تأكيد كلام لا دليل على صحته، وربطه بخبر محدد عن الإرهاب، يرسل رسالة خطيرة إلى ذهننا في لحظة ينام فيها الحذر الذي يحرسه. ومع الزمن وتراكم السنين ومئات الألوف من تلك الهمسات، تكون في رأسنا هذا القلق وكأنه مؤسس على تراكم تجارب حياتية حقيقية وتجاوز رفض المنطق له.

يجب أن ننتبه أيضاً أن التفسيرات لهذه التصرفات، من أمثال "كره السنة لإيران" و "الحقد الطائفي على الشيعة" و كذلك التفسيرات التاريخية التي تعيد المشاعر إلى أكثر من الف سنة مضت، ليست سوى اوهام أيضاً، وهي تخدم في تغطية العدو الحقيقي سواءاً قصداً أو بدون قصد. فالسنة لم يكرهوا إيران الشاه، ولم نجد دوراً للحقد الطائفي عندما انتخب السنة شيعياً هو أيادعلاوي أكثر مما انتخبوا أي سني، كما أني لا أعرف سنة يقضون وقتهم بدراسة التاريخ دع، عنك أن يدرسوه لأولادهم ليبث فيهم الأحقاد. كل هذه اوهام وانحراف عن المسبب الحقيقي: اسلحة الدمار الإعلامي الشامل التي تبث غازاتها الكيمياوية يومياً على العراق وغيره، لتخرج لتصيب ضحاياها بتشوش في البصر وخلل في التركيز وضعف في الذاكرة. وسبق لهذه الأجهزة أن دفعت بالبشرية في بلدان كثيرة لكره الشيوعيين بشكل مجنون حتى صدقوا في بعض البلدان أن الشيوعيين يأكلون أطفالهم! وهي التي شيطنت كوبا، وتشيطن اليوم بوتين فهل هؤلاء طائفيين سنة وشيعة أيضاً؟

لقد علقت على مسودة هذه المقالة عند نشرها الأول في صفحتي، قارئة من أكثر القارئات اطلاعاً ونباهة وحيادية وذكاءاً تقول: "استاذ صائب مقالتك هذه حيرتني , هل اختار لايك أو اكتب تعليقا برفض الفكرة. من الناحية النظرية فكرة ممكن مناقشتها ولكن في الواقع اشعر بالغيرة على وطني أن يكون فيه تمثال لقائد ايراني"! هذه الحيرة هي التعبير الأكثر أمانة وقوة لقوة الجذب بين ما يقوله المنطق وبين المشاعر التي تم تأسيسها بالإيحاء الإعلامي لتسكن القلب. إن الحيرة تدل على أن المشاعر المناقضة للمنطق موجودة وأن لها قوة يمكننا أن نحس تأثيرها حين تعادل وتحيد المنطق وتترك الشخص محتاراً بينهما.
وقد كان هناك عدد ممن رفض المقالة بصراحة، ولكن من الناحية الأخرى اسعدني أن إحدى القارئات ذات لقب العاني، لم تكن مترددة في الوقوف مع المنطق، ولا ننسى أن كاتب هذه السطور ينتمي إلى الطائفة السنية، وراثياً على الأقل!  

كما قلت لكم، ليست هذه دعوة حقاً لبناء التماثيل، بل لكشف الأصنام التي تم بناءها خلسة في أذهاننا دون أن ننتبه.. وأن نبحث لنا عن ترياق لمقاومة هذا السم. دعونا نضع ما يفعله الناس الطبيعيون في بلجيكا مؤشراً ، ونرى حيودنا عنه مقياساً لسلطة الإعلام المعادي علينا. وعندما نرى تمثال قاسم سليماني في ساحة كبيرة في تكريت، يمر به السنة قبل الشيعة بتقدير واعتزاز، نعلم أننا قد استعدنا حقنا في أن نبصر و نحدد صديقنا من عدونا ونتخذ موقفنا منهما بوضوح ودون إذن من أحد، ولن نرَ أن هذ المقالة "جريئة"، وعندها سندرك إننا شفينا وصرنا طبيعيين وأصحاء كبقية الشعوب، ويمكننا أن ندافع عن مصالحنا ونخوض معاركنا ونأمل بالنصر فيها!

(1) مقتل القيادي في الحرس الثوري الإيراني جاسم نوري بمعارك الرمادي
(2) هادي العامري: لولا ايران وسليماني لكانت حكومة العبادي خارج العراق
(3) العبيدي: الحشد الشعبي قوة رسمية وايران تساعدنا ضد "داعش"
(4) محمد بلوط: مؤتمر باريس يستثمر تقدم «داعش»: ضغط على العراق.. وإبعاده عن الجبهة السورية :: http://assafir.com/Article/423239
(5) جوازات سفر مع قتلى "داعش" تحمل تأشيرات إيرانية
(6) هل دخلت إيران بلداً عربياً إلا وكان مصيره الخراب والضياع؟
(7) صرخة خليجية: أما آن لكم أن تستيقظوا!؟
(8) الوليد بن طلال يعلنها صراحة : نحن مع إسرائيل
(9) خطير جداً - الدكتور عبدالله النفيسي يكشف مخطط إيران للسيطرة على مصر
(10) صادق الطرفي - الملك سلمان يرقص في أستقبال ال سعود لشاه إيران ،...
(11) زيارة ولد الشاة ايران لمصر وكيف تم استقباله ومافي لا صفويين ولا مجوس ولا رافضه ولا شيعه
(12) كيف يراك الآخرون – 6- الإعلام وشيطنة إيران 1- التدخل الإيراني
(13) كيف يراك الآخرون؟ 7 – شيطنة إيران 2- إرهاب ومخدرات وإسرائيل وكراهية

هناك تعليق واحد:

  1. كم نحن بحاجة لفأسك يا صديقي من اجل تكسير كل هذه الاصنام المنصوبة في اذهاننا,,,,,عاشت ايدك

    ردحذف