26‏/7‏/2015

دورات الإصطدام والإبتزاز بين كردستان وبغداد 2 – المالكي والعبادي

صائب خليل
 تحدثنا في الحلقة الأولى (1) عن تركيبة دورات كالبريث التي تتبعها كردستان لابتزاز بغداد وبينا أنها تفسر بطبيعتها التدريجية الحذرة، وتراكم تأثيرها مع الزمن، وصول الإبتزاز إلى الحد المهول الذي وصل إليه اليوم دون أن يثير الغضب الكافي لدى الشعب العراقي للإنتفاض على حكوماته الذيلية التي مررتها ابتداءاً من أياد علاوي وانتهاءاً بالعبادي الذي توج الخضوع واعطاه أكثر صوره نفوراً.

وكما اشرنا في الجزء الأول فأن بيتر كالبريث كان مسؤولاً امريكيا برتبة سفير، وكانت شركة دي إن او تدفع رواتبه، ليعطي كردستان التعليمات التي تناسب موقف الشركات النفطية وحكومة كردستان من العراق (وقد وضعت كردستان نفسها منذ البداية في خندق الشركات، وقال مسعود أن إدخال شركة أكسون يعادل إدخال عشرة فرق عسكرية إلى المعركة). وكان أهم ما قاله كالبريث في كتابه “نهاية العراق” انه نصح الكرد أن لا يخشوا من الإصطدام والخلافات مع بغداد، لأنهم إن أداروها بالشكل المناسب، فسوف تحل كل مشكلة منها، بمكسب جديد لهم.

هذه حقيقة مهمة ولا غنى عنها لفهم العلاقة بين كردستان وبغداد. وهذا ما يجب أن يعرفه كل العراقيين ولا ينسونه لحظة واحدة في تحليلهم لموقف كردستان وتعاملهم معها، فهو المبدأ الذي يفسر كل حركات حكومة كردستان وكل إنجازاتها الهائلة في ابتزاز بغداد، والذي اوصلها إلى ما وصلت إليه. والحقيقة أننا تأخرنا كثيرا في ذلك، ولو فهمنا ذلك منذ البداية لربما أمكننا تجنب الكثير من الضرر الذي وقع والخسائر الهائلة التي لم يعد هناك سبيل لاستعادتها.

للأسف لا يعي معظم العراقيين هذه الحقيقة حتى اليوم، وحتى معظم ساسة العراق يجهلها أو يتجاهلها. أنظروا مثلاً، عضو النفط والطاقة البرلمانية علي فيصل الفياض حين يشكو من توقف كردستان عن تسليم الحكومة الاتحادية عائدات كميات النفط المتفق على تصديرها. إنه يحث حكومة الاقليم على التراجع عن هذا الموقف محذرا من ان استمرار تصدير النفط من اقليم كردستان دون موافقة الحكومة الاتحادية "سيدخل الطرفين في دوامة ازمة سياسية جديدة"! –
لا شك أن تهديد كردستان بـ "ازمة سياسية جديدة" يدل على جهل الفياض بطريقة تفكير كردستان وأنه لم يقرأ كتاب كالبريث: "نهاية العراق"، وإلا لعرف أن "أزمة سياسية جديدة" هي هدف بحد ذاته لكردستان.

من هنا اهمية التأكيد والتذكير بتلك الحقيقة وفهمها عميقاً لكي لا تستمر المفاجآت الفاجعة لنا في هذا التعامل المذل. وللتذكير فقد حللنا في الحلقة الأولى شكل الإبتزاز الذي تمارسه كردستان بإرشاد كالبريث، وبينا أنه يتكون من دورات شبه منفصلة، (نسميها هنا “دورات الإصطدام والإبتزاز” ، أو "دورات إبتزاز كالبريث"). كل "دورة اصطدام وابتزاز"، تبدأ بـ "اصطدام" يتكون من مراحل متتالية هي "مرحلة رفع المطالب" تثيرها كردستان، وتثير هذه المطالب الظالمة "مرحلة الغضب" لدى الناس. ثم يقوم الإعلام بـ "تطبيع الإصطدام" وتهدئته بالتنفيس عن هذا الغضب بشكل محسوب، ثم يدخل الناس "مرحلة اليأس" فيبدو الشعب يصرخ في واد ولا يسمع سوى صداه، ويدخل "مرحلة الإستسلام" واعتبار المطالب الظالمة طبيعية.
لا يبدو أن شيئاً قد انجز حتى الآن على الأرض، إلا أن شيئاً قد أنجز بالفعل في رؤوس الناس، حيث تم "تطبيع" المطالب الظالمة التي طالبت بها كردستان ولم تعد غريبة على الأسماع أو تعامل كمحاولة اعتداء جديدة على حقوق الناس، فيهيئ االجو للمرحلة التالية التي تحول ذلك الإنجاز النفسي إلى إنجاز مادي.
يبقى التوتر والقلق حتى يرهق الناس، وهنا تأتي مرحلة "الإبتزاز" والتي تبدأ بـ "الضغط لحل الخلاف" حيث تبدأ مناداة بعض الساسة المأجورين والذيول المعتادة لكردستان والإعلام بشكل عام بضرورة "حل بغداد لخلافاتها مع كردستان". (وليس العكس عادة) ولا تنزعج حكومة بغداد الخاضعة من تلك النداءات، بل تستخدمها كحجة للتراجع، فتجلس لتفاوض كردستان على قبول شروطها وندخل "حل الخلاف" (بالشكل الذي تحدده كردستان) التي تتم بأن تضيف الظلم الجديد إلى ما تراكم من سلسة الظلم القديم. ويبني كل استسلام، طبقة إضافية في حالة الإستسلام العامة لدى الشعب.
ولا يترك الأمر عند هذا الحد فيجب إزالة ما تبقى من غضب وعدم رضا لدى الشعب في مرحلة ختامية هي "مرحلة تطبيع الإبتزاز" وتتميز بالهدوء النسبي وترك الموضوع للنسيان بشكل رئيسي.

ولا تستمر هذه الفترة النهائية عادة إلا بضعة أسابيع، لتعترض كردستان مرة أخرى وعلى نفس الإتفاق الظالم الذي وقع لصالحها وتقترح علاقة أكثر ظلماً، لتدور دورة ابتزاز أخرى وهكذا...ونفترض ان أنظمة التجسس الأمريكية على الشعب العراقي مثل التنصت على الإتصالات المجانية وغيرها، قادرة على تحسس مشاعر الناس تجاه أية قضية، وإن كانوا جاهزين للمزيد من الضغط دون رد فعل، فتعطي الضوء الأخضر لانطلاق مطالب جديدة تبدأ "دورة اصطدام – ابتزاز" جديدة.
والحقيقة أن الدورة كما شرحناها تتكون من مراحل "إصطدام – تطبيع – إبتزاز – تطبيع"، لكننا اختصرناها اعلاه في التسمية.

المالكي والعبادي ضحايا دورة كالبريث


دعونا نرى بصمات تلك الدورات ومن يقف وراءها على سياسة حكومتي المالكي والعبادي على التوالي مع كردستان، وكيف أثرت على العراق.
لقد قامت أميركا وكردستان بإخراج المالكي من الحكم لرفضه الإبتزاز الأخير، ولم تشفع له سوابقه الكثيرة وكثرة خضوعه وإنزاله الكوارث بالشعب العراقي لحسابهم في توقيع معاهدة الصداقة المشؤومة أو الإحتيال لتجاوز البرلمان في "مذكرة التفاهم" ولا بصولته على جيش المهدي الذي كان اشرس مقاوميهم ولا تعيين الضباط الخونة لحسابهم وحمايتهم لاحقاً بتقاعدهم وغيرها كثير. ولم يشفع له تذلله لكردستان بتغاضيه عن احتلالهم للأراضي تلو الأراضي وطرد فرق النفط العراقية وإحلال كردية محلها وإلغاء الدعوى عن سرقتهم لاسلحة الجيش العراقي وتمرير عشرات المليارات من دولارات ناخبيه المخدوعين لحسابهم، بل أن الإعلام المسيطر في كردستان جعل الشعب الكردي يراه "ظالماً" له!! وتلك من إنجازات الإعلام التي يهز المرء راسه تعجباً منها.

العبادي – الفريسة المثالية للإبتزاز؟


العبادي رغم علمه بحقيقة ما كان يجري من ابتزاز في فترة المالكي بكل تفاصيله، جاء متعهداً بتنفيذ كل الإبتزاز الأعظم الذي رفضه المالكي، وقبل ان يساق إلى الكرسي محملا بـ "قراراً" بـ "حل جميع المشاكل مع كردستان" (والذي يعني بلغة التفاوض: الإستسلام لكل شروط المقابل). ولاشك، رغم اتهامه الشهير بالغباء من أحد زملاءه، فأنه يعلم أن دوره قادم وأن دورات كالبريث التي صفعت وحطمت سلفه، سوف تصفعه المرة تلو الأخرى وستجعله يتصبب عرقاً وغضباً وخجلا في كل تنازل سيفرض عليه، حتى تطحنه وتلقي به بعيداً، لتأتي بالتالي الذي سيتعهد بدوره بتمرير اجزاء المؤامرة التي سيعجز العبادي عنها في نهاية الأمر، (وخير مرشح هو عادل عبد المهدي باستعداده الشخصي وبحاضنة المجلس الأعلى المثالية لمثل هذه المهمة).
العبادي سيكون دائماً كما كان في بدايته، تام الخضوع لكردستان وأميركا (إلا إذا حدثت معجزة)، فهو أضعف من المالكي كثيراً وبالتالي فهو هدف افضل للإبتزاز، وهذه "موهبته" الأساسية التي جيء به من أجلها، وبفضلها فهو أصلح لحكم بغداد من وجهة النظر الأمريكية الكردستانية. فالمالكي، رغم أنه جاء أيضاً بمؤامرة أمريكية على الجعفري، فإنه صار يشعر في ولايته الثانية على الأقل، أنه جاء "بذراعه" وأن له ناخبين يدعمونه وأن أميركا قد تتردد في إزاحته، فتجرأ قليلاً وقال بضعة "لا" آت في سنوات حكمه الثمانية، وحاول بعض الموازنة بين أميركا والشعب، فانتهى الأمر به إلى ما انتهى اليه.

وإن كانت خطط كردستان قد تعرقلت أحياناً قليلة مع المالكي، فإنها لا تشعر بوجود ما تخشاه أبداً مع العبادي، فبادرت إلى عدم تنفيذ حتى الإتفاق الذي وقع فيه عبد المهدي على كل ما طلبته بدون استثناء أو اعتراض، كما بين هوشيار زيباري حين قال مندهشاً: أن أحداً لم يعترض على أية نقطة من النقاط من الجانب الحكومي في "المفاوضات" (أنظر Q&A: Finance Minister Hoshyar Zebari - Iraq) (2) ولم تسلم كردستان إلا نصف كمية النفط التي اقترحتها بنفسها للإتفاق! ولعلها ندمت ان اقترحت تسليم اي نفط لبغداد بوجود مثل هؤلاء "المفاوضين" الذين لا يعترضون على شيء. فقد أعلنت وزارة النفط، إن "معدل الكميات المستلمة من حكومة الإقليم بلغت 288.305 ألف برميل يوميا للفترة من بداية العام الحالي ولغاية نهاية شهر أيار"، أي نصف الكمية المتفق عليها فقط رغم أكاذيب ساسة كردستان وإعلامها ونوابها مثل النائبة نجيبة نجيب و عضو لجنة الطاقة البرلمانية طارق صديق وبقية نواب كردستان حول تسليم الإقليم للحكومة المركزية كامل الحصة المتفق عليها، والذين يثيرون بالتعاون مع الإعلام موجة تشويه حقائق للتشويش على الشعبين العربي والكردي حول حقيقة الأمر. فمن المفيد لإنجاز الإبتزاز التالي أن يشعر الشعب الكردي بأنه مظلوم. (3)

دورة الإبتزاز المسرعة وتحقيق أمنية كردستان ببيع النفط


لنلاحظ أن مرحلة "المطالب المرتفعة" في دورات ابتزاز فترة المالكي، قد تحولت في زمن العبادي وبوجود وزير كردي في وزارة المالية، إلى قرارات منتهية ومثبتة كحقائق على الأرض، وليس كمطالب. أي أن كردستان بدأت "تقرر" ليس لنفسها فقط وإنما للعراق أيضاً، ولا "تطالب". ويمكننا أن نرى محاولة تثبيت هذا السياق بشكل رسمي ضمن الخطة المعلنة حيث أن “الحل” الكردستاني المقترح للأزمة الحالية، يشترط تحكم كردستان "بسريان إيرادات النفط" وعندها ستكون كردستان من "يقرر" وبغداد هي من "يطالب" ويمكن لكردستان أن تقبل او ترفض مطالب بغداد! وفي العادة سيقرر "الطرفان تجاوز خلافاتهما"، أي إبقاء الحال كما هو، أي كما تفرضه الحقائق الجديدة التي ثبتتها كردستان على الأرض، مثلما ثبتت نفط كركوك بيدها، وقرر عبد المهدي "تجاوز خلافاته" عليه، كما سنرى أدناه.
والحقيقة أن هذا المسار كان في ذهن سياسة "الإصطدام – الإبتزاز" التي وضعها كالبريث، حيث أذكر في إحدى الإصطدامات القديمة أن صرح أحد المسؤولين الكرد، أن بإمكان بغداد أن "تشكو إلى المحكمة الإتحادية" إن لم يعجبها الأمر. وعلق الأستاذ فؤاد الأمير في حينها أنه لم يسبق له أن سمع بهذا الحال المقلوب في أي بلد فدرالي، حيث المعتاد أن تقرر الحكومة وتشتكي الأقاليم التي ترفض!  

بهذه الطريقة التي يتم تثبيتها بعد الإتيان بالعبادي يتم اختصار دورات كالبريث (اصطدام – تطبيع – إبتزاز – تطبيع) إلى (اصطدام وابتزاز- تطبيع) بـ "حرق" فترتي "الضغط لحل الخلاف" و "حل الخلاف" لأنه بوجود عادل عبد المهدي على وزارة النفط والعبادي على رأس الحكومة واستعدادهما للتوقيع على كل شيء، ووجود هوشيار زيباري على المالية، لا يوجد “خلاف”، وبالتالي لا يوجد "حل خلاف"، لأنه ببساطة لا يوجد هناك فريقان ليختلفا، بل سيد ومنفذ.. هناك ابتزاز يتم تبليغه لحكومة العراق في الغرف الخلفية وتعليمات حول تفاصيل أسلوب طرحه، وكيفية إعطاء الشعب الوقت اللازم ليتطبع عليه ،فقط! وحتى لو افترضنا أن العبادي ليس منقاداً تماماً برضاه، أو ليس سعيداً تماماً بدوره، او أنه يخشى منه أن يقضي عليه، فأنه سيتصرف بالضغط إن تطلب الأمر، كما لو أنه جزء لا يتجزأ من العصابة، وأن عليه أن يبحث هو وعبد المهدي عن الطرق المناسبة لتخفيف الإحراج عن نفسهما.

لننظر مثلا إلى الخلاف حول بيع نفط كركوك التي مازالت رسمياً تحت سلطة بغداد، وكيف تتم معالجته و "التفاوض" بشأنه وحل "المشكلة". يكتب تقرير نفط العراق  "ومن الممكن ان تواجه كردستان عقبات قانونية دولية حول شرعية مبيعاتها المستقلة. إلا أن وزير النفط الحالي عادل عبد المهدي رفض فتح أية دعاوى ضد حكومة كردستان. وقال للصحفيين في فينا بعد لقاء لمنظمة أوبك، بأن إدارة حقول كركوك يتطلب من كل الأطراف أن تجلس على طاولة المفاوضات، وأن التصدير المستقل يجب ان يتوقف.لقد سمحنا به لكنه ليس مقبولا. يجب أن نجد طريقاً لجعل هذا التصدير لا يتصادم مع الدستور. لأن النفط وفق الدستور ملك لكل الشعب العراقي، ويجب أن نجد ترتيباً لذلك، وكيف نتعامل مع كل ذلك."

عبد المهدي يقر صراحة بأن الأمر "يتصادم مع الدستور" وانه "ليس مقبولا" لكنه بدلا من أن يرفع دعوى دولية لوقف الإبتزاز اللادستوري أو شكوى إلى المحكمة الإتحادية مثلا ، فسوف "يجلس على طاولة المفاوضات" و يبحث عن "تخريجة" قانونية تساعد على إظهار الأمر وكأنه "لا يتصادم مع الدستور". إنه بالضبط ما فعله المالكي حين أراد أن يوقع اتفاقاً خطراً مع أميركا دون الرجوع إلى البرلمان، فقدمت له "تخريجة" تسميته بـ "مذكرة تفاهم". وفي الحالتين يتعامل قادة العراق مع القضية على أن الدستور هو المشكلة التي يجب إيجاد حل لها للتنصل من الزامات نصوصه، وليس كأعلى قانون في البلد كتب للإسترشاد بتعليماته الملزمة!

لنلاحظ أيضاً أن عبارة "يضعا جانباً خلافاتهما" التي توحي أن الطرفين تركا الأمر على "حال وسط"، عبارة غير صحيحة بالنسبة لهذه الحالة على الأقل. فـ "الحل" قد كان كما يريده الكرد بالضبط، وهو ترك نفط كركوك بيدهم حتى إشعار آخر. وبالتالي لم يكن لديهم أي "خلاف" ليتركوه. والعبارة الصحيحة هي أن بغداد قررت (مثل كل مرة) أن تذعن لحل كردستان وتتبرع بحق شعبها في كركوك، وتعترف كأمر واقع، بعمليات الإستيلاء العسكرية على أرضه وثرواته بلا أي اعتراض، بل أن تتعامل مع تلك الثروات وتحسبها حين تستلمها وكأنها ثروات كردستانية!

بهذه الطريقة تحل "الخلافات" بين كردستان وبغداد في فترة العبادي، ولذا لا يوجد “خلاف” ولا يمكن أن يوجد “خلاف” ، وبالتالي لا يوجد مبرر لمرحلة "ضغط من اجل حله" ولا مرحلة "حله". إنما نقفز مباشرة من "مرحلة اليأس" لتدمج مع "مرحلة تطبيع الظلم" في مرحلة واحدة. لقد كانت دورات ابتزاز كالبريث في زمن الإنبطاح المالكي طويلة نسبياً فتم تقليصها في زمن العبادي وعبد المهدي إلى ما ذكرناه : (اصطدام وابتزاز- تطبيع).

القروض: وجه آخر لدورات ابتزاز كالبريث


ولا تقتصر دورات كالبريث على إبتزاز النفط. فقد أعلن وزير المالية (الكردي) هوشيار زيباري توقيع عقود قروض طويلة الأمد مع اليابان. وقد خصص لكردستان حوالي 40% من هذه القروض، اي يزيد بمرتين ونصف على حصة كردستان التي تم تثبيتها في دورة ابتزاز كالبريث سابقة بـ 17% ، لكنه قد تم تجاوزها. ومن المعلوم أن القروض تعتبر من الكلف السيادية التي تدفع كردستان منها في احسن الأحوال المثالية، نفس نسبتها، اي 17% فقط، فمن سيدفع الـ 23% الباقية؟ هذا عدا القضية الأهم وهي أن كردستان لا يتوقع أن تبقى مع العراق حتى فترة تسديد تلك الديون، وبالتالي فإنها لن تدفع حتى تلك الـ 17%. ويبدو أن نص القرض لا يشترط تحويل القرض إلى حساب كردستان في حالة الإنفصال، وهكذا فأن شعب العراق هو الذي سوف يدفع كل القرض الكردستاني،  خاصة وأن القرض الموجه لكردستان بالذات هو الأطول، وسيستغرق تسديده خمسين عاماً! (5) وقد احتجت النائب حنان الفتلاوي على هذا الظلم الجديد. (4)  لكننا لا نتوقع أن يحظى احتجاج الفتلاوي بأي اهتمام، بل أن تستمر دورة كالبريث المسرّعة حتى اكتمالها، والبدء بدورة جديدة...وأن يكون هناك "إنبطاح آخر" و "آخر" .. الخ.

خاتمة: كردستان ليست مخيرة


إنه ظلم مؤلم يوجه للعراق من كردستان، لكننا يجب ان ندرك أن كردستان ليست مخيرة تماماً في موقفها، وإنها ليست فقط المصالح التي تدفع بساسة كردستان إلى ممارسة هذا الدور، رغم أهميتها كدافع لها، فهناك ضغط لا إرادة لهم فيه لاستمرار دورات التصادم والإبتزاز حتى اقصاها. فالكرد يجب أن يؤدوا دورهم كجلاد (وضحية غير مباشرة لاحقاً) في المؤامرة على العراق، مثلما على العرب ان يؤدوا دورهم كضحية مباشرة. ولنفس هذا السبب فأن الكرد سيبقون في العراق لفترة، ومن سيعارض انفصال كردستان ليس العرب (ولا الشعب الكردي طبعاً) وإنما من يريد للشعب العربي والكردي أن يبقي لهما دور الضحية والجلاد، أطول فترة ممكنة، وأن السماح لكردستان بالإستقلال لن يأت قبل أن تكمل مهمتها في تفتيت العراق أولاً- ولو حاول قائد كردي أن يستقل قبل ذلك فسوف "يطير" بنفخة واحدة، وبأسهل مما طار المالكي. هذه رؤيتي فقط والتي اعترف اني لا أملك دليل عليها. إلا أنه من المؤكد أن "دورات الصدام والابتزاز " ستستمر بطحن العراق وشعبه حتى يتحقق عنوان كتاب مهندسها بيتر كالبريث: "نهاية العراق".

لقد كانت أهم إنجازات عملية استبدال كردستان للمالكي بحيدر العبادي هي تمكنها من بيع النفط في الأسواق العالمية دون ملاحقة قانونية، وسنكتب عن تفاصيل هذا الموضوع الخطير حلقة إضافية ملحقة لأهميته.

في المرة القادمة عندما تقدم كردستان مطالب جديدة، يمكنكم أن ترفهوا عن انفسكم بمراقبة مسار دورة الإبتزاز التطبيع، ورد افعال الحكومة التي ستتظاهر بالرفض والمقاومة دائما تقريباً في البداية وكيف ستكمل الدورة مراحلها لتنتهي بحصول كردستان على كل ما تريد (قد تعلن مطالب أكثر مما تريد لتحصل على ما تريد) وكيف سيتم تطبيع الظلم التالي وتهدئة الناس ونسيان الأمر وإضافة طبقة ابتزاز جديدة  وتحطيم جديد للعراق. يمكنكم أن تبدأوا المراقبة فوراً فكردستان قدمت مطالباتها الجديدة وبدأت الجهات الرسمية بردود الأفعال المعتادة بالفعل... مشاهدة ممتعة.. لمأساة جديدة...

(نشرت هذه المقالة على صفحتي في الفيسبوك: https://www.facebook.com/saiebkhalil )


(2) من "تقرير النفط العراقي" مقابلة مع هوشيار زيباري Q&A: Finance Minister Hoshyar Zebari - Iraq Oil Report http://www.iraqoilreport.com/news/qa-finance-minister-hoshyar-zebari-13747/
(3) النفط: كميات النفط المستلمة من إقليم كردستان بلغت 288 ألف برميل يوميا
(4) قرض ياباني للعراق بقيمة 735 مليون دولار
(5) احتجاج حنان على القرض: انبطاح آخر .... وتفريط اخر بحقوق الوسط والجنوب... - د. حنان الفتلاوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق