2‏/7‏/2015

هل يستوي الذين بايعوا غصباً والذين شاركوا داعش جرائمه؟



صائب خليل

6 حزيران 2015



أثار موقف ما يسمى مجلس شيوخ ووجهاء قضائي الفلوجة والگرمة بمبايعة داعش وحضور عملية إعدام جندي عراقي في الفلوجة الإشمئزاز. وأثير من جديد السؤال فيما إذا كان هذا العمل القبيح يندرج ضمن الضغط الإجباري لداعش، أم أنه تطوعي إرادي. والحقيقة أن من الصعوبة بمكان وضع الحد الفاصل بين الأثنين. 

فمن السهل أن نقول أن الجميع كان مجبراً، خاصة وأن داعش شديدة الشراسة والإجرام ولا حدود لقسوتها. لكن من الناحية الأخرى فأن هذه التصرفات تؤثر بلا شك على معنويات الناس في المعركة، خاصة عندما تبلغ الوقاحة الحماس في الخطاب ومباركة عملية إعدام لجندي عراقي، وعندها لا بد ان نرسم الحدود بين من يمكن مسامحته وبين من يجب أن ينال أشد العقاب ليس فقط كمجرم قاتل شارك في عملية قتل، وإنما ايضاً كمتآمر على الوطن لتحطيمه.



هذا ما كتبته في بداية هذه المقالة قبل أن نشاهد أن صورة الشهيد عند حضرة شيوخ العشائر كانت مزيفة كما سنرى في نهاية المقالة! وقد تركت ما كتبت اعلاه كموقف مبدئي في حالة ثبوت أي متورط بمثل هذه الجريمة البشعة وكيف يجب التعامل معه، وأن التعامل مع المتورط فعلا بتأييد داعش ومشاركتها جرائمها لا يجب أن يحظى بأي تسامح قد يمنح لمن يبرهن أنه قد أجبر على ذلك. إستمعوا إلى هذا الرجل وهو يمجد عصابة داعش الإسرائيلية واضعاً نفسه في هذا الموضع الدنيء بمواجهة شعبه.(1)

إنني لا أستطيع الحكم على هؤلاء من مكاني، لكن من المؤكد أن العفو لا يجب أن يشمل الجميع، وأن يقع على عاتق كل من ارتكب فعلا ً خيانياً أن يبرهن براءته وأنه كان مجبراً، وإلا فأن الموت لن يكون عقوبة ظالمة بحقه.

اليست أمنية مشروعة أن نرى مثل هذا المخلوق الشائه الذي ألقى خطبة البيعة، معلقاً؟(2)



علينا أن نتذكر أن الفصل بين المجبر والمجرم ليس مهماً من ناحية العدالة فقط، وإنما أيضاً من صالح القوى الوطنية العراقية التي تواجه هجمة أمريكية إسرائيلية شرسة لتحطيم البلاد، أن نفهم بالضبط من معنا ومن ضدنا. لأن الخطأ مكلف في الإتجاهين، لتجنب الغدر إن أعفي داعشي من جهة، ولكن من الجهة الأخرى لكي لا نعطي صورة سيئة مبالغة وشاملة تدفع بنا إلى اليأس من منطقة معينة من العراق إن اعتبرنا خطأً أن أغلبيتها مع داعش، ولم تكن كذلك. والحقيقة أن الإعلام الداعشي العلني منه والخفي يحاول الدفع بهذه الصورة الأخيرة لإحباط الحشد. فلا يتعمد داعش إجبار الشيوخ على المبايعة وعلى تصويرهم ونشر صورهم وأفلامهم، وهو ما يقوم به بكفاءة ومهارة أمريكية إسرائيلية واضحة، وإنما أيضاً نرى الكثير من المشاركات في الفيسبوك التي تؤكد أن المدينة الفلانية كلها مع داعش، ولماذا نضحي بأبناءنا من أجل هؤلاء الخ. يجب الإنتباه من هذه المشاركات جيداً، وعدم نشرها رغم أن البعض يفعل ذلك انطلاقاً من رأيه الشخصي دون أن يكون مدفوع الثمن، فيعمل كمراسل مجاني لداعش، لبث هذا الإحباط بالذات.



لو عدنا إلى ردود الفعل على مشاهد إعدام الشهيد مصطفى في الفلوجة كتب لي أحد اصدقائي القدامى، وهو من الأسر النجفية العريقة:

"في الحادثة المفجعة للشهيد مصطفى ولا اخفي عليك لقد غضبت جدا عند رؤية الصور (بالمناسبة اول مرة ارى الصور في بوست صديقي الاستاذ حاتم العاني مستنكرا الوضع بشدة وهو بالاصل من سكنة الفلوجة ولا زال معظم اقربائة يسكنون الفلوجة) ولكن بعد تداول البوستات الكثيرة للموضوع رأيت ان الموضوع اخذ منحى اخر مستغلين الحدث لكي يصبوا غضبا ونارا وتوعدا للانتقام من اهالي الفلوجة واتهامهم بالجبن وتركوا الحديث عن الجناة الحقيقيين الدواعش القذرين ... اما عن موضوع الجبن الموسوم به اهلنا بالموصل والانبار.. فليس من العدل وصف اناسا مدنيين مسالميين بالجبن عندما لا يقاتلون وحوش شرسة متعطشة للدماء علما بان اصحاب الاختصاص والمهنة والمتسلحين باحدث الاسلحة فروا امامهم. لوان اهل الفلوجة موافقون على ما فعلوا الدواعش القذرين بالشهيد لرأيتهم متجمعون على الجسر حين اعدام الشهيد حيث يظهر في الصورة الدواعش فقط ولا اتوقع انهم منعوا الناس من الصعود الى الجسر لان غرضهم من الصور هو ظهور تاييد اهل الفلوجة لهم وهذا غير صحيح ربما البعض وهم قلة وان شاء الله تثبت الايام غيرة وحب جميع العراقيين لوطنهم ."



وكتب آخر: "اذا كنت تعيش تحت سجان ظالم ... فليس لك الا ان تصمت او تنزح او تقتل ... والاختيار الرابع يؤيد .. ولو اخذنا النسبه بين الاربعه اعلاه لوجدنا نسبه ""الصمت والنزوح والقتل "90 "بالميه حسب المعطيات ... الاتهام والتعميم اسلوب مقيت ليس من ورائه غير اذكاء الفتن... ف القرأن اكد ان ... ولاتزروا وازرة وزر اخرى ... وفي الكتب السماويه " لايقتل الاباء عن الاولاد ولايقتل الاولاد عن الاباء".

وبنفس الروحية، ورداً على الإتهامات بالجبن لأهل الفلوجة أمام قتل الشهيد دون نجدته، كتب أحد المعلقين: "قتل السيد عبد المجيد الخوئي في كربلاء أمام مئات الناس ولم يتحرك أحد لوقف قتلته.."



إذن لاشك أن ظروف الإنسان تحدد موقفه، وأن نفس الإنسان يمكن أن يتخذ موقفاً "جباناً" تحت التهديد الوحشي، لكنه قد ينطلق كالذئب إن اتيح له أن يقاتل في بيئة تمنحه الثقة والكرامة كأن يكون في مجموعة لا يحس معها بالضعف والوحدة أمام قوة غاشمة لا أمل له بمقارعتها.



لننظر مثلاً إلى ما اقتطع الأخ منير التميمي من كلمة لقائد الحشد الشعبي قيس الخزعلي: "يتحدثون عن الطائفية و الكراهية و الاقتتال الطائفي ، و ها أنا أمامك ، بعنواني كقائد لقوات هم يسمونها شيعية طائفية ، أقف معك الان في منطقة الجنابات بمنطقة سيد غريب في صلاح الدين ، بين مئات من مقاتلي العشائر السنيّة المسلحين بالقاذفات و الرشاشات الثقيلة و المتوسطة و الخفيفة ، و ليس معي غير بضعة من أفراد حمايتي برشاشاتهم الخفيفة لا نتلفت خلفنا و لا نتوجس من بعضنا لاننا نعلم اننا جميعا عراقيون يقاتلون ضد عدو مشترك استهدف الجميع و قتل من السنة ربما أكثر مما قتل من الشيعة .... في هذي المنطقة فقط هناك 15 عشيرة سنيّة رجالها يقاتلون داعش معنا".

أنظروا إلى ما يقول الرجل في هذه المقابلة ابتداءاً من هذه النقطة في الفلم: (3)

والحقيقة أن هذه المقابلة لقائد الحشد قيس الخزعلي تستحق المشاهدة كاملة لمن لديه الوقت.



ثم لننظر إلى الجانب الآخر. يكتب منير التميمي في صفحته: “يراد ترويج فكرة ان عشيرة الجبور في الشرگاط و الحويجة قد (بايعت) خليفة داعش (الان) ، بعد عام كامل تقريبا من سيطرة داعش على مناطقهم !!!”

“ارجوا الانتباه لصورة هذا الشيخ الجبوري الذي يفترض انه قد بايع الخليفة عن قناعة و رضا ( بعد عام كامل من سيطرة جند الخلافة الداعشية ، هذي صورة رجل مغلوب على أمره ، مضطر ، مجبور ، خاف على أهله و ابناء عمومته من كثرة الأعداء و غياب الناصر ، لاحظوا ايضا تعابير وجوه اغلب الحضور !الله الله بأهلنا ، قبل ان نخدم البروباغاندا الداعشية بشتمهم و تهديدهم بالقتل و السَحل.” (4)



وهو يرى أن السبب هو أن "داعش يحاول رفع معنويات جنده في الشرقاط و الحويجة استعدادا لمعركة حتمية يعلم انها معركة فاصلة قد تحدد مصير محافظة نينوى و مدينة الموصل تحديدا"..













ويبدو لي أن تحليل الأستاذ منير في مكانه، وان هناك ما يخفى، وليس في الفلوجة فقط. فكلنا سمعنا عن احتفالات مدينة الموصل بسقوط الأنبار، وشاهدنا الفيديو. لكننا نفاجأ قبل بضعة ايام بـ "تكذيب من الأستاذ الدكتور سيّار الجميل أن الموصل أحتفلت مؤخرا" يبدو أنه أرسله إلى إحدى قارئاته يقول فيه:

"سيدتي الفاضلة، تحياتي

لقد تأكدت بطريقة جازمة ان هذا الفيديو لا صلة له بالموصل ابدا .. اذ لم تحدث اية احتفالات  فيها او من قبل اهاليها .. وذلك من خلال اتصالاتي التي اجريتها مع بعض الاصدقاء والاقرباء فيها ، وقد نفوا جميعا حدوث اية احتفالات لا في الجانب الايمن ولا الجانب الايسر من المدينة .. وقد اخبرت بعض الاصدقاء في الخارج سواء في اوروبا او اميركا بأن عليهم ان يتحروا الحقيقة قبل اشاعة اعلام العدو عن مدن عراقية منكوبة على صفحات الفيس بوك وتبادلها عن طريق الايميلات واستقبال الشتائم واشعال الثارات ..  يكفي ان مليونا ونصف المليون من النازحين عن مدينتهم الموصل يعانون الامرين الان .. ونحن نبث مثل هكذا فيديوهات دون ان ندقق ونحترس من صحتها اولا  ومن آثارها السيئة على مستقبل البلاد  ثانيا.." الخ.



ما هي هذه الأفلام إذن؟ قد يكونوا بضعة اشخاص جالوا في تلك المدينة وأعطوا انطباعاً باحتفالات لم تكن موجودة ابداً ولم يحس بها أحد! وما أسهل تصوير الأفلام عندما يكون تحت تصرفك خبراء من دول متقدمة.



وهذا دليل آخر على أن داعش تتولى توريط الشيوخ بأقصى درجة حتى يصبح الشرخ غير قابل للردم هو هذه الصورة المزيفة الجديدة التي اكتشفها أحد الناشطين والتي تبين أن الشيوخ الذين بايعو داعش لم يكونوا في مكان الإعدام بل تم لصق ذلك لصقاً، وهو مؤشر أن داعش وجدت صعوبة في تنظيم مثل هذا المشهد على أرض الواقع رغم وحشيتها، وهذا وحده يبشر بالكثير من الخير وأن النصر على هذه الفرقة الإرهابية الإسرائيلية قريب!







أن اكتشاف التزوير، إن ثبت(5) يبرئ هؤلاء الشيوخ من مشاهدة الإعدام البشع، لكن ليس من إعلان الولاء لداعش، فكيف سنعرف المتطوع من المجبر؟ وكيف يثبت البريء براءته؟ لا يمكنني أن أجزم كيف يبرئ المجبر نفسه، لكني أرى أن موقفه من داعش أثناء قتالها وعند وجود فرصة للتعبير عن موقفه، هو خير ما يمكن أن يقدمه من الأدلة، وأن على كل من أجبر من قبل داعش على الخضوع واعلان التأييد أن يكفر عن خطيئته اولاً، وأن ينتقم من داعش لإجبارها إياه على موقف مخزِ، بقتال داعش في أول فرصة تتاح له، وإلا فسوف يكون الأمر صعباً جداً إن ترك تلك الفرصة تمر. فليهيء نفسه كل من وجد نفسه في هذا الموقف الصعب لاقتناص أول فرصة، ولنعمل على أن تصل هذه الفكرة إلى جميع هؤلاء، وإلا فإن العار، إن لم يكن انتقام العدالة، سيلاحقه ويلاحق أولاده وأحفاده إلى الأبد!









(1) مجلس عشائري بالأنبار العراقية يعلن مبايعته لـ"داعش" - YouTube


(2) من يسمون انفسهم شيوخ عشائر الدليم يبايعون داعش ، ويباركون لأهل الانبار تحرير مدينتهم


(3) مقابلة قيس الخزعلي


(4)Munir Al-Tamimi -  - أتمنى ( قراءة ) الصورة و تحليل عناصرها قبل...


(5) هناك احتمال، يجب أن يؤخذ بنظر الإعتبار مهما كان بسيطاً أن تكون الصورة العليا هي المزورة، كما تؤشر بعض النقاط غير الواضحة فيها، وفي هذه الحالة فأن هذه التبرئة لن تكون واردة.



() مجلس عشائري بالأنبار العراقية يعلن مبايعته لتنظيم الدولة الاسلامية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق