26‏/5‏/2018

الحلفي قاد انقلابا على الحزب الشيوعي ويتهم منافسيه بالإرهاب!

صائب خليل
26 مايس 2018
ما قاله عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي عن الانفجار امام مقر الحزب، أكثر تفجيراً من الانفجار نفسه. (1)
قال ان "الخروقات الامنية سببها نتائج الانتخابات"، مردفا بالقول انه "عادة بعد كل انتخابات تقوم الجهات الخاسرة او المتهمون بالفساد باللجوء الى هذه الأساليب".
إنه ببساطة يتهم زملاءه في العملية الديمقراطية بالإرهاب، ويحرض بالعنف عليهم!! لكن دعونا نبدأ من البداية.


فكرت: إن كان لا بد للشيوعيين من التحالف، فمن الأفضل ان يتحالفوا مع الصدريين بدلا من جماعة حزب الأمة المشبوه العلاقة بإسرائيل. هذا كان رد فعلي على العاصفة التي حدثت مؤخرا داخل الحزب الشيوعي العراقي والتي كان اهم وأوضح نتائجها استقالة حسان عاكف -عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، من منصبه وتوجيهه رسالة مفتوحة حول الموضوع.

لكن حادثة صغيرة اثارت قلقي، وهي "سالوفة" اعتقال جاسم الحلفي في المنطقة الخضراء.(2)
فمن متابعتي، أعلم ان هذه الحركات كثيراً ما استخدمت كسيناريو دعاية مجانية لصالح "الضحية" أو لتشويه مجاني لسمعة من توجه اليه أصابع اتهام جاهزة. فقصة أن جاسم الحلفي الذي لا اذكر انه قال يوما كلمة مفيدة او قدم تحليلا أو رؤية لشيء، يمكن أن يخيف احداً إلى درجة ان يتم اعتقاله و "التحقيق" معه، قصة خرافية يرفضها العقل كما رفض قصة مماثلة لصحفية تافهة "تم اختطافها"، ولم يجدوا مبررا للخطف سوى أتفه مقالة قرأتها في حياتي، محتواها الوحيد الاحتجاج على كتابة أسماء منظمات شهداء الحشد، على لافتات التعازي! في وقتها أرادوا توجيه أصابع اتهام مجانية الى جهة تقلق اميركا، واليوم يريدون رفع اسم شخص إلى أكثر من قيمته بتصويره كضحية.

ما يقلق في المسرحية (حتى إن تم توقيفه بالفعل إكمالا لها) هو أن المسرحيات من اختصاص "الكبار".

كيف ولد "سائرون"؟
يشرح لنا حسان عاكف القصة(3) التي ألخصها ادناه بما يلي:
منذ اوائل ٢٠١٧ بدأ الحزب الشيوعي وحلفاؤه في التيار الديمقراطي، حوارات مع احزاب وشخصيات لبناء تحالفات موسعة، تمخضت بعد قرابة عشرة اشهر عن ولادة تحالف القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”، ضم التيار الاجتماعي، حزب الامة العراقي، التيار الديمقراطي، التجمع من اجل الديمقراطية في العراق، حزب التجمع الجمهوري، حزب نداء الرافدين، حزب بيت نهرين، المنبر الديمقراطي الكلداني، التجمع الديمقراطي الاجتماعي، حزب العمال العربي، مع شخصيات مستقلة، وقد باركت اللجنة المركزية للحزب انبثاق “تقدم”.
ثم انتقل حزب التجمع الجمهوري (جماعة سعد عاصم الجنابي) وتيار الرافدين الى تحالف سائرون، لميلهم للمركزية والتشدد والاقصاء (حسب د. عاكف).

مفاجأة!
بعد اعلان "تقدم" بأسابيع قليلة، فاجأتنا “طريق الشعب “بعمود لـ عضو المكتب السياسي (المقصود جاسم الحلفي كما يبدو) هاجم فيه "تقدم" وقيادته المنتخبة وحذرها "من الوقوع في فخ النخب” وأتهمها بالاهتمام "بالشكليات ومصابة بالبيروقراطية"، داعيا اياها الى “الابتعاد عن التعالي والتهميش واثارة الحساسيات. ”...!!.
إثر ذلك، قامت اللجنة الخماسية التي يقودها السيد الصدر بتوجيه دعوات منفردة لأحزاب التحالف، مشترطة استبعاد أحد أطراف “تقدم” وقطع الحوار مع حزب سياسي اخر!

كانت احزاب “تقدم” قد اتفقت على عدم الدخول في حوارات منفردة ورفض اية اشتراطات مسبقة، وكانت اللجنة الخماسية تضغط لأن السيد الصدر ينتظر اعلان التحالف لمباركته في الإعلام ودعمه. واضافوا ان هناك اتفاق “جنتلمان” بين السيد مقتدى الصدر والسيد حيدر العبادي للدخول في قائمة انتخابية واحدة، مشددين ان يترك امر الصلة بالعبادي لهم، لأن هذا الامر "محسوم"!
ثم فوجئنا يوم ٤ كانون الثاني ٢٠١٨، بتوقيع الرفيق سكرتير اللجنة المركزية وأطراف “تقدم”، الاتفاق مع “الاستقامة” وحلفائه، دون علمنا!
وأرسل الرفيق السكرتير رسالة غريبة، يعلمنا بتشكيل تحالف "عابرون”! وأنه جرى التنازل عن رئاسة التحالف لرئيس حزب “الاستقامة” لأن السيد مقتدى الصدر أصرّ على ذلك!

هنا اتساءل؛ (الكلام مازال لـ د. عاكف) أليس غريبا ان يقرر حزب عمره اربعة وثمانون عاما، الدخول في تحالف سياسي وتسليم قيادة هذا التحالف الى حزب عمره شهرين.؟!

بعد اعتراضات، قررت اللجنة المركزية استفتاء رفاق الحزب، (على قرار تم التوقيع عليه قبل 5 أيام!). لكن نص رسالة الاستفتاء وإدارته كان بطريقة متحيزة ومضللة، ومنافية للنظام الداخلي للحزب، ولم يبلغ الرفاق بحقيقة ان التحالف قد جرى التوقيع عليه بالفعل، ولم يزودوا بأية معلومات أساسية. تم الاستفتاء في الداخل والخارج خلال ٤ ساعات فقط، ولم يشمل إلا اقل من ١٠٪ من رفاق الحزب!
(يذكرني هذا بالاستفتاء الذي أطلق لقبول الانضمام الى كتلة علاوي في الانتخابات الأولى فشكى فيصل لعيبي أنه طلب منه إعطاء الجواب وهو تحت موسى الحلاق! فكأن من نظم ذاك، نظم هذا أيضاً– ص خ)

ان هذه المواقف.. تضع مصداقية الحزب وقيادته في وضع لا يحسدان عليه، وهي أقرب للمغامرة غير المحسوبة النتائج ونحن غير مجبرين على السير بها.  “طريق الشعب” اعتذرت عن نشر المقال! – انتهى ملخص حديث د. عاكف الذي يمكن مراجعة نصه في الرابط المرفق.

إنها علامات كلاسيكية مميزة للانقلاب الداخلي للأحزاب! ويبدو أن الهدف الأساسي لها هو ضمان دخول الحزب الى كتلة "سائرون" (كانت "عابرون"). فما هو السر في هذا الإصرار على سائرون وتسليم قيادة الحزب لها؟ لا يستبعد أنه قد تمت أشياء مقاربة في بقية الكتل المكونة لها وأنها لم تحظ بالشفافية التي رأينا فيها ما حدث في الشيوعي. ويجب ان نبقي على بالنا انه لو لم يقرر د. حسان عاكف كتابة رسالته وإعلانها (رغم محاولة طريق الشعب طمسها) لتم الانقلاب بصمت تام ولما علمنا بشيء عنه! لذلك لا يستبعد حدوث ضغوط وتحركات مماثلة في مكونات سائرون الأخرى دون ان يعلم أحد.
هذا اذن حال الحزب الشيوعي الذي استسلمت قيادته للانقلاب بسهولة مدهشة وضربت عرض الحائط قراراتها ونظامها الداخلي وجهودها التفاوضية لأكثر من عام كامل، ودخلت بشكل اعتباطي في حلف لا يبدو لها فيه أي راي أو قرار! إن هذا لا يحدث دون قوة جبارة تنسق وتفرض نفسها، ولا استبعد أن الخطوة التالية ستكون التخلص من رائد فهمي وتسليم الحلفي سكرتارية الحزب، وربما التخلص في الوقت المناسب من كل من اعترض على الانقلاب!

هكذا تمت الولادة القيصرية الغريبة لسائرون! فما الذي يراد من "سائرون"؟ وما دور الحلفي والأسماء المشبوهة الكثيرة فيها؟ وما الدور الذي ينتظر من الصدريين والشيوعيين عموماً؟
لنتذكر أن "سائرون" وجهت حملتها الانتخابية على أساس الفساد التام للحكومات السابقة والكتل السياسية السابقة ووعدت بإنهائها ومحاسبتها بشدة. فالحلفي كان إلى يوم قريب يصرخ بالمتظاهرين: "هل تصرون على محاسبة طغمة الفساد؟ .... جميع الفاسدين، شلع قلع!!!"(4)
إنه يكرر عبارات "طغمة الفساد" و"رموز الفساد" والتظاهرات تهتف: "شلع قلع كلهم حرامية"، بل يذهب الى استعمال عبارات عنف قريبة من تعابير البعث في أعنف مراحله مثل "سننظف"...وشمل "التنظيف" حتى "المهادن" و "المتردد" و"المتلكئ في أداء واجبه"! وهي عبارات صدامية بامتياز!

كذلك استعمل الحلفي عبارات تحريض تركز على ذاكرة الجماهير في مناطق المها، فلجأ إلى تعابير ساحات الاعتصام المثيرة مثل "سبي العراقيات".. و "اغتصاب النجيبات". ثم فضائح "الأسلحة الروسية" (وهي غير مثبتة، بل هدفت لمنع الصفقة لأسباب معروفة)، لكنه يتجاهل "فضائح عقود أسلحة العبيدي" المثبتة بشكل ليس فيه أي شك!  
في النهاية يختتم الحلفي بتكرار "شلع قلع.. شلع قلع.. شلع قلع".
لكن هذا "الشلع" يصبح خفيفا جدا بعدما انتهت الانتخابات ليتحول إلى كلام غامض متساهل. ويبدو ان هذا خط رسم مسبقاً، فالسيدة هيفاء الأمين شاركت بتفعيل هذه القفزة في مقابلتها التي ادهشت فيها محاورها بالحديث عن الكتل التي صارت فجأة "تضع العراق فوق كل شيء"!. لكن الأمين كانت ساذجة جدا في طرحها فأثارت الانتباه والاستغراب. أما الحلفي فهو يلجأ إلى عبارات تم اختيارها بدقة علمية مدهشة لتقوم بالمهمة الصعبة في ذهن المتلقي. مهمة تجسير الهوة بين خطاب الانتخابات "الشلع قلع" وخطاب ما بعد الانتخابات والذي يتجه نحو إعادة معظم الوجوه لتلعب دوراً جديدا أعد لها.
استمعوا اليه يقول: "اتاحت لنا نتائج الانتخابات التوصل الى استنتاجين اساسيين واضحين لا لبس فيهما. الاستنتاج الاول أن هناك ازمة ثقة عميقة في الطبقة السياسية التي تبوأت الحكم في البلاد بعد التغيير. اما الاستنتاج الثاني فهو رفض الطريقة التي ادير بها الحكم والبلد حتى الآن، سيما منهج المحاصصة الذي اثبتت التجربة فشله، والذي لا يمكن الرهان على العودة اليه كمحرك للنظام السياسي."(5)
الاستنتاج الغريب الأول بوجود "ازمة ثقة عميقة" يفترض انه لم يحدث بفضل "نتائج الانتخابات" لأنه معروف قبلها بوقت طويل، وقد تم تجاوزه كثيرا جدا حين كان يصرخ بالشلع والقلع والتجريم والفساد واللصوص، ووعود بمعاقبة حتى "المترددين"، فكيف اكتشف الحلفي مجرد "أزمة ثقة" بعد الانتخابات؟ ولاحظوا ان "أزمة ثقة" عبارة حيادية، لا تكاد تشير إلى المذنب!
بعد هذه المقدمة الضرورية تأتي العبارة التالية عن "رفض الطريقة التي ادير الحكم" بها، وأنه "لا يمكن العودة اليه كمحرك للنظام السياسي!" ليس هناك أثر لفاسدين أو لصوص أو حتى مذنبين! هناك فقط "طريقة حكم" خطأ، افقدت الناس “الثقة” لذلك لا يمكن العودة اليها، لكن ممكن جدا التفاوض مع نفس الذين كانوا "الطغمة الفاسدة" حول طريقة أخرى للحكم، وتسمية ذلك "انفتاح على الآخرين"!

بقية الخطاب كلمات عامة يهتف بها الجميع مثل "الإصلاح" و "عابر للطائفية" و"تجاوز الانتماء المذهبي" و "الكرامة العراق"، دون اية التزامات محددة، مع ملاحظة استعمال كلمة "تغيير" بدلا من “احتلال”، وبالتالي لا يوجد “احتلال” حسب الحلفي، و“كرامة العراق” لن تتطلب اخراج الأمريكان لأنهم "مغيرين" للنظام وليسوا “محتلين”! وهذا أيضا يتناغم بقوة مع تصريح هيفاء الأمين المثير للضحك والقلق معا، بأن الموقف الأمريكي "داعم للاستقلالية والإرادة السياسية العراقية".
من كل هذا نستنتج أن "الخطاب الثوري" ضد الفساد قد أدى دوره ويتم التخلص منه بسرعة لإعادة تدوير معظم الوجوه القديمة مع إضافة وجوه مشبوهة أكثر خطورة مثل سعد عاصم الجنابي. فذكرت هيفاء الأمين ان سائرون ستشكل مع الكتل الكبرى التي سميت يوما "طواغيت الفساد" (وقامت بتعدادها بإضافة كلمة "الخ") تآلفا حكوميا، مضيفة أن هذه الكتل "تضع العراق فوق أي اعتبار آخر"!

أخيراً نلاحظ أن هتافات وتصريحات الحلفي تخللتها عبارات عن "إعادة النفط للشعب"، والتي وجدت بشكل ما، طريقها أيضا حتى الى تغريدات مقتدى الصدر. إنها عبارة يعرفها متابعو قانون النفط الوطنية المشبوه، الذي رفع نفس الشعار، وهي مؤامرة خطرة للغاية يتم تنفيذه خطوطها الأخيرة بهمة كبيرة، كتبنا عنها كثيرا، ونترك العودة لها لمقالات أخرى، لكنها عبارة مزيفة مقلقة جديرة بالانتباه الشديد والمراقبة، فهي تؤشر اتجاه النوايا. أما الهدف فهو تمرير المشاريع الخطيرة لبيع النفط العراقي وبقية ثرواته ومؤسساته الخدمية عن طريق حملات الخصخصة المسعورة، التي بدأت قبل ذلك.

كذلك نلاحظ أن تصريحات الحلفي الأخيرة رداً على "التفجيرات" على مقر الحزب، غريبة ومفاجئة وأشبه ما تكون تهيئة الجو للعنف، استنادا إلى افتراضات مختلقة لا أساس لها. فمن أين جاء بالادعاء أن من يخسر الانتخابات يقوم “عادة” بعمليات تفجير لمواقع من ربح؟ متى كانت هذه هي "العادة" في العراق؟ 
وبالمناسبة قرات تواً لناشط أنه كان في مقر الحزب الشيوعي وقت “التفجيرات” وأنها لم تكن سوى قنابل صوتية في باحة حديقة المقر!!(6)
هذه القضية، إضافة إلى سلاسة تنفيذ الانقلاب في الحزب والتلميحات لقبول مؤامرة شركة النفط الوطنية، على الجانبين الشيوعي والصدري، وغيرها، مؤشرات تدل على انها ليست من فعل مجرد انتهازي يتراجع عن خطاباته، بل مؤامرة تقودها قوة كبيرة منظمة، وأنها تسعى لاستغلال الصدريين والشيوعيين لإيصال رجالها الى السلطة لإكمال مؤامرة النفط وتوجيه البلاد بالشكل الذي يناسبها، ويتناقض تماما أهداف الناخبين. إن الأسابيع والأشهر القادمة، وموقف الحكومة القادمة من ملف النفط وخاصة شركة النفط الوطنية وتراخيص الوزير جبار لعيبي الفاسدة، إضافة إلى مدى الوفاء بوعود محاسبة محددة لفاسدين محددين والحكم عليهم وكذلك المتهمين في قضية الموصل وكل المدن، والحكم عليهم بما يستحقون من قسوة لا عفو فيها، وشمولها الجميع، هي القرارات التي ستحكم على مدى دقة هذه الملاحظات والاستنتاجات أو خطأها.


(1) الحزب الشيوعي: جهات خاسرة بالانتخابات وفاسدون وراء استهداف مقرنا ببغداد
 (2) جاسم الحلفي - الحديث عن تفاصيل اعتقال الناشط جاسم الحلفي اليوم داخل المنطقة الخضراء
 (3) حسان عاكف - الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى “سائرون”…
(4) جاسم الحلفي – خطاب في تظاهرة 
 (5) Jassim Alhelfi - (سائرون) .. رؤية ومعايير التفاوض اتاحت لنا...
(6) العصيان المدني هو الحل وطرد المحتل

على الفيس: الحلفي قاد انقلابا على الحزب الشيوعي ويتهم منافسيه بالإرهاب!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق