20‏/10‏/2014

مطالعة كتابي - الجهود الأمريكية لتفكيك الدولة العراقية- الزمان

كتب الأستاذ حمدي العطار، الكاتب والإعلامي في صحيفة الزمان مطالعة مطولة لكتابي الأخير "الجهود الأمريكية لتفكيك الدولة العراقية"، استغرقت صفحة كاملة من الصحيفة، ننشر المطالعة هنا للإستفادة

..
مقال تحليل ونقد لكتاب ا لجهود الامريكية لتفكيك الدولة العراقية ،نشر اليوم الاثنين 20/10 في ص 14
الكاتب صائب خليل في تحليل للأوضاع الميدانية يدخل فيه العامل الاقتصادي
"الجهود الامريكية" تهدف الى تفكيك العراق وربط الذئب بجانب الخروف
بغداد – حمدي العطار
حينما يتم تحليل أسباب واهداف التدخل الامريكي كدولة عظمى في مناطق نفوذها الاستراتيجية لا نرى سوى المزيد من غياب الحرية والديمقراطية ونظام أقتصادي رأسمالي يحمي أصحاب رؤوس الاموال وشريحة أجتماعية لا تمثل 10% من شعوب تلك الدول،ونرى مشاكل مثل الفقر والبطالة والتضخم والتوتر الاجتماعي هي الظاهر التي يتركها الامريكان حينما يضعون حاكما او حزبا يدين بالولاء المطلق لهم ولمواقفهم ويؤيدهم سياسيا ودوليا في المحافل الدولية والمنظمات العالمية ،اما الانظمة السياسية في تلك الدول فهي همها الوحيد أرضاء سيدها في البيت الابيض حتى لو كان ذلك على حساب المصالح الوطنية لشعوبهم.
• أمريكا ليست منظمة أنسانية
يعيش العراق اليوم ظروفا صعبة للغاية ،فهناك محافظات تشكل 30% من الاراضي العراقية تحت سيطرة العصابات الارهابية (داعش) والتهديد مستمر والوضع الداخلي يحمل احتقانات طائفية وعرقية خطيرة! كل هذا حدث ويحدث ضمن مشروع دولي واقليمي الغرض منه (تقسيم العراق) وأضعافه ومصادرة دوره الاقتصادي والسياسي والثقل الوطني ضمن المنطقة، احزاب الاسلام السياسي لا يهمها مصير الوطن بقدر ما يهمها التنافس على مغانم السلطة والنفوذ لذلك هي تصر على عدم الاتفاق دائما ، فهناك خلاف على توزيع الحقائب الوزارية خاصة (الداخلية والدفاع) وهناك خلاف على أقرار الموازنة ومشاكل الاجتثاث والعفو العام والتوازنات في الاجهزة الامنية والفدرالية واللامركزية واعادة هيكلة القوات المسلحة ، هم حتى لم يتفقوا حول كيفية مواجهة (داعش) وتحرير المحافظات والمناطق التي يسيطر عليها وينهب ثرواتها النفطية ويفتك بأهاليها ! فهناك خلاف ايضا على حجم ونوع التدخل الامريكي ومعه التحالف الدولي الذي يضم 40 دولة !وكأننا في حرب عالمية ثالثة وليس لمطاردة مجموعة الاف من المجرمين! أن اي تدخل أجنبي جوي او بحري او بري هو يخرق السيادة الوطنية ! وقد حدث اليوم تدخل جوي ومن الجائز ان يتطور الى تدخل بري برغم من عدم موافقة بعض الاحزاب السياسية (الشيعية ) على مثل هذا التطور ودخول قوات الى الاراضي البرية لأن البعض من هؤلاء يعتقد بأن الخدمات التي تقدمها امريكا (أنسانية) أو هي مضطرة للقيام بها لأن الارهاب يهدد امنها وامن أصدقائها في المنطقة وحلفائها الاوربيين! بينما ترى الاحزاب الاسلامية (السنية) ضرورة ان يكون التدخل الامريكي لمصلحتها وتغيير الخارطة السياسية والمحاصصة الطائفية والعرقية التي ارسى دعائمها (بريمر) ولم يعد مقبولا تلك النسب المتوزعة على المكونات الرئيسة الثلاث (الشيعة، السنة، الكرد) هم لا يريدون أن تكون الضربات الجوية الامريكية ودول التحالف لصالح (الشيعة) لذلك يطالبون بتدخل بري لطرد داعش واحداث تغييرات سياسية لا تشبه ما تم الاتفاق عليه وما تمخض عن الانتخابات من حجوم للمكونات ! هذه هي الصورة القاتمة للوضع الحالي في العراق.
• الجهد الامريكي المشبوه بعد احتلال العراق
دفعني الى هذه المقدمة المؤلمة كتاب للمؤلف (صائب خليل) بعنوان "الجهود الأمريكية لتفكيك الدولة العراقية" - سجل لعقد من السعي لأختراق المؤسسات العراقية والسيطرة عليها - الصادر من "دار الغد" للنشر سنة 2014 وهو عبارة عن مجموعة من المقالات والدراسات الاقتصادية والسياسية التي نشرها الكاتب للفترة من 2007 لغاية 2012
اعجبتني جرأة الكاتب في طرح ما يؤمن به من دون لف ودوران فهو من الكتاب الذين لا يجامل او لا يقبل ان تفسر طروحاته تفسيرين(حمالة الاوجه) على عكس بعض الكتاب والمثقفين الذين تقرأ لهم ولا تستطيع ان تحدد لهم موقفا واضحا من الاحداث ، هو يؤمن بأن الكتابة ليست مهنة وموهبة فحسب بل هي موقف سياسي قوي ومنحاز وليس محايدا ،،ويستطيع القارئ من المقدمة ان يكشف بصمة الكاتب السياسية حين يقول (منذ البداية ،تميزت العلاقة الأميركية مع العراق بأتباعها لهدف مركزي للأجندة الاسرائيلية، يتمثل بمحاصرة خيارات شعبه وتحطيم أرادته،ومنعه من استخدام ثروته لبناء بلاده،فأضافة الى تأسيس الارهاب ودعم الفساد، قام الاحتلال بنصب سلسلة مدروسة بعناية من الالغام في الدستور وفي كل المؤسسات التي خلقها بغرض تأمين توجيهها بعد مغادرته،وشل البلاد عن أتخاذ اي قرار مستقل ولسنوات طويلة قادمة) الكاتب لا يطلق الاتهامات جزافا بل في فصول الكتاب الاربعة هناك عشرات الادلة التي يقدمها مدعومة بتصريحات وخطابات ووثائق تؤيد ما ذهب اليه في هذه المقدمة،ولو قرأنا هذه المقالات في حينها لتحفظنا على ما جاء فيها من معطيات وتوقعات ونعد كاتبها ضد العملية السياسية وكلامه من باب (حب واحجي واكره واحجي) ولكن بعد مرور الزمن وما آلت اليه الاحداث تعد هذه المقالات بمثابة جرس أنذار لحدوث الزلزال الاقتصادي والسياسي والانفلات الامني ولكن (اذا ناديت أسمعت حيا لكن لا حياة لمن تنادي)
*أهمية العامل الاقتصادي
يتهم الغرب الامبريالي سابقا المعسكر الشيوعي بأنه يركز على العامل الاقتصادي ويهمل العوامل الاجتماعية والسياسية والثقافية لأنه يعد العامل الاقتصادي هو المحرك الاساسي لباقي العوامل، - صائب خليل- وفي الفصل الاول من كتابه والذي يحمل عنوان (السيطرة على الاقتصاد) يتوصل عبر مجموعة من المقالات بأن امريكا بعد احتلال العراق اعتبرت من الاهمية ان تسيطر على اقتصاد العراق لأنه البوابة الوحيدة للسيطرة على الامور السياسية فيه ومن خلال ذلك تحقق مصالحها في المنطقة ،فتناقش مقالات الكاتب في هذا الفصل الممتع - الفعاليات الأمريكية للسيطرة على الاقتصاد العراقي والمؤسسات الاقتصادية العراقية – من خلال مجموعة من الادوات والمفردات مثل أرساء مبدأ (أقتصاد السوق) كبديل عن الاقتصاد الاشتراكي أو المختلط في العراق وانشاء (البنك التجاري العراقي) وتكبيل العراق بمعاهدة (العهد الدولي) ومن هذه المعطيات ينساب قلم الكاتب الخبير بالهم الاقتصادي ليدحض كل هذه الالاعيب والادوات ليوضح فشلها وعدم قدرتها على ارساء قاعدة اقتصادية متطورة توفر افضل الخدمات ويتم من خلالها اعادة الاعمار والتقدم الاقتصادي من خلال تراكم راس المال لا التفريط به وضياعه على العمولات ونهب الاموال عن طريق الصفقات المشبوهة وتفشي الفساد وحمايته من المحاسبة والعقاب،ويدخل في هذا الفصل تحليلا دقيقا لمساوئ (الخصخصة) للشركات الصناعية ،والاقبال على الاستثمار الاجنبي بصورة غير مدروسة تحافظ على نوعية الاستثمار وتعظيم الثروات ،ومن ثم هناك كلام خطير عن القطاع المصرفي وقطاع النفط والمزايدات السياسية ذات الطابع التجاري من خلال (قانون البنى التحتية)
• السيطرة على القرار السياسي
بعد ان مهد الاحتلال الارضية الاقتصادية المناسبة للسيطرة على الاقتصاد العراقي ومؤسساته الاقتصادية كان – من وجهة نظر الكاتب- لا بد من تهيئة الطبقة السياسية التي تضمن استمرار هذه الارضية الاقتصادية التي تخدم امريكا بالدرجة الاولى، وأمريكا هنا لا تخجل أن اتهمت بعدم العدالة وغياب الديمقراطية بل هي تبتسم لأنها تشتم!! في هذا الفصل يركز الكاتب على (الضغط السياسي) التي كانت تمارسه السفارة الامريكية في بغداد والابتزاز السياسي من خلال التهديد لتنفيذ اجندتها السياسية التي تحقق لها مصالحها ،فهناك مقالات عن التدخل الامريكي لتزوير الانتخابات وتعيين الحكومة ،وكيفية اتخاذ القرارات الحكومية تحت الاحتلال، وهناك مقال عن (ساسة العراق والتملق للمحتل) فيؤكد الكاتب في هذا الفصل على (أن الضغوط والاغراءات كانت فوق القدرات الأخلاقية لمعظم الساسة العراقيين،وتم تهميش من كان كذلك،وأبعاده عن مركز التأثير كما فعلوا مع الجعفري عام 2006) ويستشهد الكاتب بالقصة التي رواها (حسن العلوي) حول تجمع عدد من الساسة العراقيين في باب مكتب بريمر رغم الحر الشديد فقط من اجل تحيته وهو يخرج! ويصل الكاتب الى وصف النفاق السياسي بهذا الوصف قائلا:- "فقد كان واضحا للساسة العراقيين ان بيع الكرامة من أولى شروط الصعود الى المناصب العالية تحت الاحتلال ،وكانت المنافسة على ذلك شديدة،فلا مفر من تدني سعر تلك السلعة الى ادنى حد يمكن تخيله"
*الذئب والخروف
في حكاية شعبية قال الذئب للخروف :- لماذا ترفض استقبالي كصديق وضيف؟ أجابه الخروف :- لأن الصداقة معك تعني نهاية حياتي! في الفصل الثالث يطرح الكاتب أشكالية "الذئب بجلد الخروف" ومعنى جديد للصداقة ، الذي يطلق عليه - بالوهم – وتفنيد ادعاءاتها وكشف اكاذيب "المصالح المشتركة" ومن وجهة نظر اوباما فأن الصداقة تعني ما صرح به في المؤتمر المشترك مع المالكي حين قال "سوف نجعل الظروف انسب للشركات للتصدير" هذا هو الهدف الاسمى للرأسمالية ونتيجة الصداقة معهم ويتطرق الكاتب الى خطورة (مركز النهرين لتخريج العملاء) الذي افتتح في سنة 2012 في بغداد والمركز يكلف 15 مليون دولار ممولة من قبل السفارة الاميركية ويهدف الى "وضع منهاج للتطوير المهني والدراسات الاستراتيجية لكبار المسؤولين في العراق في مختلف العلوم ،ويشير المؤلف الى مقاله الساخر "السفارة كتعبير عن الصداقة " الذي ينبه الى ان شكل وحجم ومحتوى السفارة الأمريكية لأجندتها في العراق وما تتوقعه من موقف الشعب العراقي منها ،ويستشهد بما قاله المتحدث بأسم البيت الابيض لتبرير حجم السفارة بالقول:- "انه دلالة على طبيعة العمل الذي يواجه الولايات المتحدة هنا"!! وفي هذا الفصل هناك مواضيع تتناول" مؤتمر واشنطن والدولة التي نريد" ويفند المؤلف طروحات اوباما لصيغة الدولة العراقية وينتقد المالكي لموافقته على اعطاء كل شيء مقابل اخلاء قواعدهم ويقول في ختام المقال (اننا لا نريد دولة مثل هذه! نريد دولة حقيقية تعتني بشعبها ومستقبله ولا تتصرف بصبيانية وكأنها في مسابقة جينيس للأرقام القياسية،نريد دولة لا تشتري الطائرات الحربية كلما بقي لها بعض المال الذي يمكن به ان تؤسس شيئا لأجيالها،دولة لا تحتاج لأخذ اذن من بنك اجنبي لشراء من اية دولة تريد،ولا تقدم معلومات مواطنيها لدول اجنبية... ولا تتحجج بالقاعدة والخرافات من اجل ذلك، نريد دولة يمكن ان يفتخر بها مواطنها لأهتمامها بمصالحه المباشرة وليس تكنولوجيا الناتو للتجسس)
• أمريكا والبعث والسلطة
حينما تصر امريكا احيانا على المصالحة مع البعث الصدامي وأشراكهم بالسلطة يستغرب البعض من هذا الموقف المتناقض مع هدف امريكا المعلن بأنهاء حكم البعث في العراق اولا ومن ثم في سوريا ثانيا!يركز الكاتب في الفصل الرابع والاخير على المساعي الأمريكية لأعادة بقايا البعث الصدامي الى السلطة،ومن خلال مقارنات تاريخية يوضح الخطة الامريكية في اعادة السلطة الى الحكومات الدكتاتورية التي ادعت انها حررت البلاد منها، في دول امريكا الجنوبية والوسطى، ويعطي امثلة عن (مناغو) ونيكاراغو ،وفي مقالات تتناول خطة امريكا لأعادة البعث يتحدث الكاتب عن قصة مدينتين والحرس القومي سوابق امريكية في اعادة الجلادين الى السلطة ،،يوضح المؤلف بالادلة دعم امريكا للارهاب في العراق وبعد سرد مجموعة من مواقف السياسيين المدافعين عن البعث يتساءل المؤلف (كيف ترى ستسير الامور في العراق؟ هل سيستلم البعث السلطة في الانتخابات القادمة ام بسيطرته على الأمن ام شيء آخر )
*عناوين واراء غاضبة
في الكتاب الكثير من الاراء والعناوين الحدية القاطعة ومثلما نشيد بشجاعة المؤلف فأننا نتحفظ على بعض طروحاته التي تذهب الى مصادرة اية ايجابية قد حدثت في مسيرة العملية السياسية برغم من رضى الشعب على الطبقة السياسية المتصدية للسلطة في العراق! ولكن مع هذا فأن الكاتب قد طرح اراءه بصراحة يحسد عليها ويشيد بأرائه د.سيار الجميل قائلا "صائب خليل قلم عراقي جرئ ومتابع نشيط جدا للقضايا العراقية الساخنة...أنه محلل ومدقق ماهر في أي قضية يتناولها ويعالجها" وهناك شهادة اخرى للشاعر (يحيى السماوي) بحق صائب خليل المؤلف فيقول "الكتابة عند صائب هي رحلة البحث عن الحقيقة والذود عنها وازالة الضباب عن المرايا من خلال اضاءة ما هو معتم في حياة الانسان العراقي"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق