12‏/10‏/2014

تمرير مؤامرة الحرس الوطني – تجاهل وابتزاز وأكاذيب إعلامية



صائب خليل

قلنا في مقالاتنا السابقة أن مؤامرة "الحرس الوطني" تستهدف تمزيق البلاد عسكرياً إلى محافظات منفصلة تحكمها مجاميع مشبوهة. ويتزامن هذا مع أحداث أخرى تبدو كأجزاء من ذات المؤامرة وأذرع مختلفة للأخطبوط الإسرائيلي للسيطرة على مختلف مؤسسات البلاد وتمزيقها. فنحن نرى عودة طرح موضوع "مجلس السيادة" الذي رفض في السابق بقوة والذي يفرغ سلطة رئيس الوزراء السياسية من محتواها، مثلما يفرغ مشروع الحرس الوطني سلطتي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة من محتواهما.

 ونشهد ملامح تمزيقات أخرى، فقد ذهب البعض إلى اقتراح بوضع قانون " يمنع منعا باتا احتجاز او سجن او محاكمة اي مواطن خارج محافظته"! وبالتالي نحصل على عزل قضائي للمحافظات أيضاً، ويكفي للمجرم أن يهرب من المحافظة التي ارتكب فيها جريمته ليأمن المحاكمة، ما لم توقع المحافظات معاهدة تبادل مجرمين، وهي أم المساخر بحق!(1)

خداع الجميع

في هذه المقالة الأخيرة قبل التصويت على مشروع القانون المشؤوم في مجلس النواب، سنركز على الحيل وعمليات الإبتزاز التي اتبعها متبني المشروع لفرضه على البلاد عنوة. والمشروع عبارة عن حيلة كبيرة حتى في إسمه! فلماذا سمي هذا  "الحرس" بـ "الوطني"، إن كان عبارة عن عدد من "جويشات" محلية مؤسسة على الطائفية، لا علاقة إدارية تجمعها وليس بينها من مشتركات (إلا اللهم العداء المتبادل المتوقع لبعضها البعض، ولا يستبعد أن تنغمر في "سباق تسلح"!)؟فماماً ، لإبتزاز، إبتداءاً ، وه.اقية "الصداقة"، من إسمه. أية اتفاقية هي هذه التي لا يجد مؤيدوها للدفاع عنها سوى الأكاذيب؟ ولا يخ النائب علي جاسم برغوث من قائمة "متحدون" يؤكد أن " قانون الحرس الوطني لا يدعو لتقسيم العراق"! ولو كان الإسم على المسمى، فهل يمكن لأحد أن يفكر أن "حرساً وطنياً" يمكن أن يدعو لتقسيم البلد؟(2)
عندما يكون المحتوى قبيحاً، لا بد من تغطيته بإسم يغطيه ولا يعكسه، وغالباً ما يكون مقلوبه تماماً، وهذه حالة ثابتة في الإعلام السياسي، فقد اكتشفوا أن الأسماء المقلوبة هي التي تضيع المعنى على المتلقي لأطول فترة ممكنة، وتعطي الفرصة لتمرير ما يراد تمريره. فمثلاً معاهدة الصداقة بين العراق وأميركا تعكس مقلوب المشاعر بين الإدارة الأمريكية والشعب العراقي كما بينت الإحصاءات بوضوح. وحتى الحكومة العراقية لا تشعر بأية صداقة تجاه الأمريكان، ووجدت نفسها تحت حالة ابتزاز من قبل عدو مرعب، يضطرها للتوقيع على ما تعلم على وجه شبه مؤكد، أنه سوف يشينها أمام شعبها وأمام التاريخ.

لذات السبب يقلب برغوث الكلام مثلما قلبوا الإسم، فيقول أن القانون "بداية لتوحيده (العراق)" ! وأنه الحال هذه ذلك في الحلقة السابقة إعادة البعث بكل صراحة.يء، إلا لصلاحياته، ويؤتى بمن ينبطح لكل شيء بلا استثناء.ج لما يسلبه"سيساعد على تخفيف الجهد عن الحكومة المركزية" التي هو مؤامرة لسلبها سلطاتها! ثم يؤكد "أن القانون مطبق في الدول الأخرى وحتى في الولايات المتحدة الامريكية". ويبدو أن هذه العبارة متفق عليها في معسكر مشروع القانون، فتكتب "واي نيوز" تحت عنوان "واشنطن تسعى إلى تعميم نموذجها في "الحرس الوطني" على العراق وسوريا"، وتشير إلى أن الرئيس الأمريكي لا يستطيع استخدام حرس الولايات خارج ولايته دون موافقة المحافظ! وفي هذا خدعة رخيصة من "واي نيوز"، حيث أن الخطر في مشروع حرسنا "الوطني" ليس في عدم إمكانية استخدامه في الخارج، وإنما لأنه يمنع دخول الجيش العراقي إلى أية محافظة عراقية دون موافقتها، بينما لا يستطيع محافظ تكساس أن يمنع دخول الجيش الإتحادي الأمريكي من دخول تكساس، وبالتالي يبقى الجيش الإتحادي الأمريكي موحداً للولايات المتحدة، وليس الأمر كذلك في العراق. والحقيقة هي أن الشيء الوحيد المتشابه بين هذا "الحرس الوطني" العراقي والأمريكي هو الإسم، أما المحتوى فـ (مرة أخرى)لا علاقة له به أبداً. ولا يوجد مجانين في العالم يمكن أن يقبلوا بإرادتهم وبدون ان يكونوا خونة، بوضع لغم مهول بهذا الحجم تحت وحدة بلادهم.
نلاحظ العلاقة الواضحة بين المرتبطين بأميركا وكردستان، ودعم المشروع، على الجانبين السني والشيعي. فمثلاً وجد المكلف بفصل الموصل أثيل النجيفي الذي يسعى الحزب الديمقراطية الكردستاني جاهداً لحمايته من الإقالة،(3) في مشروع الحرس ضالته الكبرى ووصفه بأنه "أهم خطوة قامت بها الحكومة".. وكأنهما يتلقيان التعليمات والإرشاد من مصدر واحد، أكد أثيل بالضبط عبارات برغوث، فقال أن "هذه التشكيلات لن تقسم البلاد إلى اقاليم وانما كل منطقة او محافظة سيكون لديها حرس خاص بها ليدافعوا عن مدنهم بانفسهم".(4)
وطبعاً فالفضل للمالكي وسياسته المشبوهة في أن هذا العميل يستطيع اليوم الكلام بـ "يدافعوا عن مدنهم بأنفسهم" ببعض المصداقية، لأن المالكي حمى الجيش والضباط من التحقيق والعقاب المرة تلو الأخرى وهم يرفضون القيام بواجبهم في حماية المدن،وتكررت القصة من عنه إلى هيت مروراً بمدن عديدة تركت تحت رحمة هجمات داعش بينما ترابط القوات الحكومية على بعد كيلومترات منها! وهو ما أقنع الناس أنهم من يدافع عن "انفسهم" فوضع الحجر الأساس للتقسيم.

حقن العنصر الطائفي في الموضوع

ومن الحيل الأخرى لتمرير المشروع، محاولة اصحاب المشروع تحويل المعركة من معركة بين الشعب والهادفين إلى تمزيق بلاده، إلى معركة طائفية. فيطمئن أحد ثعالب الإحتلال - الفريق قاسم عطا السنة والشيعة ليس إلى أن الحرس الوطني سيحافظ على وحدة البلاد، بل بأنه "سيضم جميع مكونات واطياف الشعب العراقي"! فيوحي أن القضية ستكون قضية منافسة بين الشيعة والسنة لا اكثر. (5)
وكان أوضح تطبيق لهذا المبدأ في إثارة الإهتمام بنسب التمثيل السني والشيعي في الحرس في بغداد. (6)

وتسقط الجهة المعارضة للمشروع أيضاً في الفخ، فتضيف حنان الفتلاوي إلى احتجاجها الصميم على المشروع، استهجاناً لنسبة التوزيع في بغداد. وهكذا نلاحظ أن مصممي المشروع قد أقنعوا كل من الجانبين أن يركز على طائفته، لعرقلة تشكيل جبهة رفض وطنية للمشروع وتحويل الأمر إلى اختلافات على الحصص، يمكن حلها بتعديلات بسيطة!

أما عن الهدف من المشروع فقد تم تشكيله ايضاً حسب المستهدف بالخداع. فحاولوا إقناع الشيعة بأنه سيخلصهم من داعش "الرهيبة". لكن تسويقه للسنة كان مختلفاً، وتم إفهامهم أنه وجد لمواجهة الميليشيات (الشيعية)! رئيس مجلس الأنبار يقول بأنه "الحل الوحيد لإنهاء تواجد التنظيمات المسلحة "، وحامد المطلك لا يؤكد إلا على "عدم دمج الميليشيات" به، وكذلك "النائبة" (وهي "نائبة" بالفعل) وحدة الجميلي: ضرورة وضع قانون قوي ورصين يمنع جعل الحرس الوطني غطاءً شرعياً للميليشيات. وهذه النائب عن اتحاد القوى الوطنية، سهاد العبيدي ترى ان قوات الحرس الوطني "ستخلص المحافظات من الميليشيات"، وأكد القيادي في ائتلاف متحدون، محمد الخالدي، ان تشكيل الحرس الوطني سيحد من سلطة الميليشيات وتدخلها!
وكما ترون لا يوجد في هذه التصريحات أي أثر للقلق على العراق، ولا حتى على محاربة داعش وتحرير المدن! فالتشكيل جاء للتخلص من الجيش العراقي – أي جيش عراقي كان، وليس من داعش!

المعترضين والتعامل معهم

رغم كل الأحاييل فأن صيغة المشروع الفضائحية تسببت في تشكل جبهة رفض شديدة له. فقال النائب هادي العامري ان كتلته لا تدعم فكرة وجود "جيوش متعددة". وأكد رفيقه النائب رزاق محيبس أن "الحرس الوطني يجب ان يكون اتحاديا"، ولا تقف مهامه عند المحافظة فقط.
وهناك أطراف عديدة متفرقة معترضة وبدرجات مختلفة، لكن أقوى الإعتراض يأتي من كتلة دولة القانون، وعلى رأسها المالكي الذي نبه إلى أن "فكرة تشكيل مثل هذا الجيش هو بداية لتمزيق العراق". وأن " تشكيل حرس وطني لكل محافظة يعنى بها دون أخرى هو أمر خطير على العراق ووحدته ، مؤكداً إن"الجيش العراقي يمتلك كل الإمكانات لحماية ارض وسماء ومياه العراق (7)
وتحدث النائب عن القانون فالح الخزعلي عن الفوضى العسكرية الناتجة متهماً طيفاً من المتآمرين يبدأ بالأميركان وينتهي بأثيل النجيفي. ونبهت دولة القانون أن : تشكيلات الحرس الوطني ستخضع لصلاحيات المحافظة وستتعارض مع صلاحيات القائد العام(8)

وأكد عضو ائتلاف دولة القانون النائب عبدالاله النائلي، أن "مؤسسي قانون الحرس الوطني سيتعاونون مع تنظيم داعش الإرهابي بعد تطبيق القانون في العراق، لأنه ينص على عودة البعثيين واعطائهم رتب معينة"(9) ووصف النائب خلف عبد الصمد عضو ائتلاف دولة القانون تشكيل قوات حرس وطني خاصة بكل محافظة بالخطأ الفظيع . و2014-10-01 حذرت النائب حنان الفتلاوي من مشروع القانون ووصفته بـ "القانون الكارثة" واقترحت تسميته بـ "قانون تقسيم العراق" أو "قانون إعادة الحكم الصدامي" أو "قانون تسليح الدواعش" ، قائلة أنه "سيقوم بضم أفراد داعش إلى المنظومة الأمنية وتسليحهم وإعادة حزب البعث من جديد بغطاء قانوني .. قانون يجعل كل محافظة دويلة مستقلة خارج سلطة الدولة. ودعت الشرفاء في الحكومة لعدم التصويت عليه (تم التصويت عليه داخل الحكومة، فيبدو أن الشرفاء” لم يكونوا أكثرية فيها)، ودعت النواب لرفضه كما دعت  كل اعلامي شريف ان يعلو صوته لرفضه”...... (10)

لكن دعاة المشروع ليسوا بصدد الإستماع، دع عنك المناقشة! فالحجج التي لديهم واهية تماماً. فقالت كتلة "الأحرار" أنه "سيقلل فوضى السلاح!! ويسترشد صدريوا هذه الأيام، ويا للعجب، بحقيقة أنهم "استشاروا دولاً غربية" قبل طرحه، للتدليل على صحته! وأنه لن يكون خطراً على الجيش لأن أعداده قليلة! (والكلام للكناني). ويعترف النائب الصدري الآخر، التميمي باحتمال اختراقه من قبل "عناصر مشبوهة أو مرتبطة بالإرهاب"، لكنه يعول على مواد القانون في تبديد تلك المخاوف! فهذا الكيان الذي يعدونا بأنه سيكون الرد الحاسم على داعش، سيكون اضعف حتى من ان يزعج الجيش الذي عجز أمام داعش!! ويريد "الأحرار" أن يقنعونا أن مواد القانون، التي تنص صراحة على التركيز على مجرمي البعث الصدامي في التطوع وإعفاءهم من أحكامهم ومكافأتهم برتب أعلى، هي التي ستمنع الإرهابيين من اختراقه! (11)

الإستعجال بفرضه على أرض الواقع

لا يمكن إقناع أحد بهذه الحجج المثيرة للضحك والبكاء، لذلك  لم يبق لدعاة المشروع إلا فرضه بشكل اعتباطي، وبسرعة وقبل أن يدرك الناس ما يحاك لهم. لذا فقد تم طرحه في أول جلسة لحكومة العبادي في 9 أيلول الماضي ، وحتى قبل أن تحصل على وزرائها للدفاع والداخلية. ولعل الأمريكان يحتفظون بهذين المنصبين لشخصيات مفضوحة فارتأوا تأجيل البت فيها حتى الإنتهاء من مشروع الحرس الوطني.

ومن بين الكتل الشيعية، لا توجد كتلة تدعم المشاريع الأمريكية والإنفصالية بقدر جماعة الحكيم، أو ما يسمى بكتلة "المواطن" (وهي تسمية معكوسة أيضاً، لأكثر مجموعة ثرية قريبة من رجال الأعمال والأمريكان وبعيدة عن المواطن). فهاهو النائب حامد الخضري يدعو الحكومة للإسراع بإرسال المشروع للبرلمان للتصويت عليه و "تشكيله بأسرع ما يمكن"!(12)

ولو أن من جاء بالقانون حريص على العراق لوجد ان الأمر يستحق على الأقل أن يناقش بشكل معمق وأن يعطى له الوقت اللازم لوضعه بصيغة مناسبة توضح الإشكالات الكبيرة التي يطرحها. لكن يبدو أن هدف من صمم القانون، شيء آخر غير وحدة العراق.

وشملت العجلة، حتى أوباما الذي يعرب عن دعمه للقانون والدعوة للإسراع بإقراره بلا خجل وبلا قلق على إحراج "أصدقائه" لمثل هذا التدخل التفصيلي في شؤون البلد.

إلا أن هستيريا العجلة لم تتوقف عند الدعوات للإسراع بتقديم القانون إلى مجلس النواب، بل سارعت الضباع إلى تجاوز ذلك والبدء بالعمل به متجاهلة المجلس ومطمئنة أن مشروعاً يحظى بالدعم الأمريكي لا بد أن يقر في النهاية. فاعلنت الأنبار فتح مكاتب لاستقبال المتطوعين، وأعلن رئيس مجلس محافظة الانبار،  صباح كرحوت أنه "من المؤمل ان يتم تشكيل هذه القوات من 10 آلاف مقاتل"(13)وأكد أن الآلاف بدأوا بالتوافد إلى قواعد الجيش المخصصة للتطوع والبالغ عددها 40 مركزا،(14) وأعلنت ديالى عن تشكيل نويات من 120 عشيرة أبدت استعدادها للإنضمام إليه...

وتذكرنا هذه الحركات التي تمثل إحتقاراً مباشراً لمجلس النواب، بالأساليب ذاتها التي استخدمتها أميركا وذيولها لتمرير توقيع اتفاقية الصداقة، حين وقعها وزير الخارجية علناً وعرضت في التلفزيون قبل إصدار مجلس النواب قراره، إمعاناً في احتقاره وإذلاله!

ولم يخف النجيفي أنه قد تم التنسيق مع كردستان حول الموضوع وتدريب هذا الجيش، حتى قبل صدور الموافقة البرلمانية على مشروع القانون. وقال أن التدريب لن يحتاج أن يستغرق أكثر من بضعة اسابيع!! مؤكدأً أن تنظيم داعش "سينهار سريعاً". "حسب المؤشرات التي وصلتنا".(15)
ومن الصعب أن نصدق أن أثيل سوف يهزم داعش بجويش من المتطوعين الذين دربتهم كردستان بضعة أسابيع، وقد عجز عن ذلك جيش يزيد عن المليون دربه الناتو سنوات طويلة وجهزة بـ "احدث التقنيات القتالية" كما كانوا يخبرونا. الشيء المنطقي الوحيد هو أن الفرقة الإرهابية الإسرائيلية المسماة "داعش" ذاتها، بعناصرها المدربة وقياداتها، هي التي ستغير إسمها لتتحول (بعد انسحاب العناصر الأجنبية منها) إلى "حرس وطني" لأثيل النجيفي وأمثاله من رجال إسرائيل في مختلف المحافظات، والذين طالما دعوا إلى الأقاليم والإنفصال وجمهوريات “سومر” وغيرها!

ويقوم جماعة المجلس الأعلى،("إئتلاف المواطن") ذيول الأمريكان الأكثر صراحة - لقلقهم من رفض المشروع، بمحاولة منع المجلس من التصويت على القرار وردع المعترضين بصلافة غير معروفة مسبقاً! فادعى النائب عزيز كاظم علوان بكل وقاحة أن “القرار باستحداث الحرس الوطني أخذ حكم التشريع”، وأن “موقف نائب رئيس الجمهورية، نوري المالكي، من تشكيل الحرس الوطني، يعبر عن وجهة نظره الشخصية فقط”. وأن “الرأي النهائي بشأن الموضوع يعود لرئيس الحكومة، حيدر العبادي، لأنه هو من أعد البرنامج الحكومي ونال ثقة البرلمان عليه”، و أن “رأي نائب رئيس الجمهورية أو حتى رئيس الجمهورية، أو غيرهما بشأن الحرس الوطني، أصبح متأخراً لأن الجميع صوتوا بالموافقة على البرنامج الحكومي”. (16)

لا توجد كلمة صحيحة في هذا! إن مثل هذا الكذب المباشر يصدم الإنسان فيتركه حائرا كيف يرد. فمجلس النواب وافق على برنامج العبادي، ولم يقدم المشروع كمشروع قانون، وكان هناك نص في الجلسة أن يقدم كمشروع قانون ليوافق عليه المجلس. كما أنه حتى وإن حصلت موافقة المجلس فأن من حق رئيس الجمهورية أو أي من نوابه رفض المشروع وإعادته إلى البرلمان، حسب تفسير الدستور العراقي الذي أتاح للهاشمي أن يشل الحكومة بواسطته، وكذلك رفض عادل عبد المهدي قرار مجلس النواب الذي فضحناه به كشخص يأتمر بأوامر ديك تشيني في مقالة سابقة، فما الذي تغير؟ عزيز كاظم علوان يعلم أن ما تغير هو أن أميركا تقف بجانبه هذه المرة، ومن هذا يستمد وقاحته وقدرته على الكذب بلا خوف!

إختطاف اتفاق وتحويله إلى قانون مختلف تماماً

يبقى أن نقول أن ما تم الإتفاق عليه بين الكتل السياسية يختلف تماماً عن المشروع المطروح، ولا يشبهه إلا بالإسم. (استخدام آخر للإسم لتضليل المواطن) حيث ينص الأول في فقرته "سادساً"، على أن "ي في العراقراينا ل في مختلف المحافظات، والذين طالما دعوا إلى الأقاليم والإنفصال وجمهوريات سومر وغيرهاربه الناتو سنوات طويلة وجهزةتم تطوير تجربة الحشد الشعبي والعمل على جعلها ذات بعد وطني"، بينما مشروع القانون محاولة لإلغاء "الحشد الشعبي" وإحلال كيان ذو ابعاد محلية وطائفية محله! (17)
وليس ذلك بالمستغرب في هذه الأيام المليئة بالأشياء المقلوبة التي تفرض على المواطن من قبل إعلام اسسه أعداءه ومازالوا يديرونه، من فكرة أن أميركا التي أسست داعش ودعمتها سياسياً وعسكرياً وبشكل معلن غير سري، هي التي تقود الحرب على داعش بالذات! وأن تشكيلة حلفائها في تلك الحرب، هي ذات تشكيلة الحلفاء التي كانت توجهها لدعم داعش! وكلنا نذكر حديث بايدن الذي أثار الكثير من الضجة، والذي يستحق مقالاً منفصلاً، فتلك الضجة لم تقل كل شيء!

الشيء الوحيد القابل للتصديق في كل هذا هو أن أميركا وإسرائيل قد خلقتا ودعمتا ومازالتا تدعمان داعش، وأن الأخيرة هي فرقة إرهابية عسكرية إسرائيلية من متدربين عرب، قدمت لإسرائيل خدمات عظمية. ولكن بعد نجاحات الحشد الشعبي بوقف زحف فرق "داعش" على بغدادذو ابعاد محلية وطائفية! محاولة خلق ليه بين الكتل، وبين المشروع الذي قدمه العبادي إلى مجلس النواب!اء.ات المدمرة التي سوف "تدهشنا"، لم تر إسرائيل وأميركا بداً من تحطيم ذلك الحشد واستبداله بما يعاكسه في الهدف وتحت قيادة ذات القيادات التي تأتمر بأمرها من الضباط العملاء الذين سلموا الموصل لفرقتها داعش. وبالفعل فقد وضع النص الذي يؤمن عدم السماح لأبناء الحشد الشعبي بدخول الحرس، من خلال تفسير عبارة "الميليشيات"، وأطلقت تصريحات متحدون وبقية شلة المشروع، بالتحذير من تحويل المشروع إلى غطاء للمليليشيات في حالة قبولهم فيه!
إذن فما تم في الحقيقة هو إختطاف اتفاق سابق بين الكتل، وتحويله إلى قانون مختلف تماماً، ومحاولة فرضه بلا مناقشة ولا تصويت! يعني بالعفترة! وهي مؤامرة لا نرى العبادي إلا عضو فيها.

التشهير بالرافضين

ويقف الإعلام العراقي مع المشروع الأمريكي وضد الشعب، ويعمل على خداعه. فمثلاً في الخبر التالي، وبعد الحديث عن المشروع، تأتي عبارة "ويتوقع أن يثير القانون زوبعة بين النواب المتشددين الشيعة". ونلاحظ هنا بوضوح أن الخبر قد صيغ بشكل الإتهام غير المباشر للمعترضين على المشروع وأنه لن يرفضه إلا "المتشددين الشيعة"! وبالتنسيق بين هذه العبارة وعنوان الخبر("قانون الحرس الوطني أول ضمانات العبادي لسنّة العراق ")، يسعى من كتبه إلى كسب تأييد السنة للمشروع ولتشويه سمعة رافضيه مسبقاً. (18)

ولم يسلم المالكي من الهجوم لاعتراضه على المشروع. فقال أمير الكناني مهاجماً المالكي ومروجاً للعبادي ومشروعه أن « المالكي يرى ان اعتقاده وما يؤمن به هو صحيح، والآخرين على خطأ، لكن ثبت العكس وثبت ان سياسة العبادي حظيت بمقبولية على المستوى الوطني، خاصة في منح الصلاحيات اللامركزية واشراك الاخرين في ادارة الملفات وخصوصا بما يتعلق بمحافظاتهم والبدء باعادة هيكلة الجيش». واوضح «لا يمكن ان نخوض المعركة القادمة بنفس الرجال المتهمين بالهروب من ساحة المعركة ففي فترة المالكي لم نر محاسبة للقادة العسكريين والبعض منهم متهمون بالهروب من المعركة، وموجودون الان في مصدر القرار الامني ويجب ان نتخذ خطوات عملية بابعاد هؤلاء عن مصدر القرار».(19)
لكن  والتريوج للعبادي ومشروعهأمير الكناني يراوغ في كلامه هنا، فكبار القادة الذين هربوا من المعركة هم من رجال الجيش السابق الذين اعيدو بضغط الأمريكان، والذين ينص مشروع القرار بشكل صريح على أولوية عودة أمثالهم وإعفائهم من الأحكام التي قد تكون صدرت ضدهم ، بل ومكافأتهم برتب أعلى! أما عن المحاسبة التي تنصل المالكي من تنفيذها، فهو كلام حق أريد به باطل، حيث أن القرار ذاته الذي يدافع عنه الكناني، يبدأ بإعفاءات للمجرمين ومكافأتهم، ولا يمكن إلا لأبله أن يتصور أن من يعطي الأولوية لتعيين المدانين ويكافئهم، سوف يحرص على محاسبتهم في المستقبل! ولو كان الكناني حريصاً حقاً على منع إفلات الضباط الخونة من القصاص، فما زال بالإمكان محاسبة هؤلاء الضباط وإعادة محاكمتهم. لكن ما يريد المشروع الذي يروج له الكناني هو بالذات تعيين المزيد من هؤلاء الخونة والتحضير لمزيد من الخيانات المدمرة التي سوف "تدهشنا" بها داعش. لكن لا مبرر للدهشة، فمن يقود خيوط داعش هو نفسه من يقود خيوط الضباط المكلفين بمحاربتهم!

لقد كان التيار الصدري في بداية الإحتلال أنظف الكتل وأوضحها موقفاً، فصار أكثرها غموضاً وشبهة في المواقف، وما موقفهم من هذا المشروع الأمريكي الواضح والمتناقض مع موقفهم برفض التواجد العسكري الأمريكي إلا دليل قاطع أن ماءاً تسرب من تحت أرجلهم في ليلة ليلاء.

جزء من مشروع سلخ سلطة الدولة

ليس "الحرس الوطني" إلا أحد مشاريع سلخ سلطة الدولة المركزية وضخها إلى الأطراف استعداداً لفصلها. ويمكن اعتباره الجانب العسكري من العملية بينما الجانب السياسي يتمثل بـ "مجلس السياسات الستراتيجية الإتحادي" (الذي يعاد طرحه الآن!) والذي كان الأمريكان يريدون من خلاله تسليم عميلهم الأساسي أياد علاوي كمية من الصلاحيات تترك رئيس الوزراء المنتخب غير مهم أو غير فعال، ويمكن من خلاله وبشكل "قانوني" شل أي تحرك للدولة العراقية. وبشلّ الدولة عسكرياً من خلال مشروع "الحرس الوطني" تكتمل الكماشة التي تهدف إلى وضع الدولة العراقية كلها تحت السلطة الأمريكية فعلياً، وتصبح أية إمكانية لتحريرها مستقبلاً وبعد أن يدرك العراقيون حجم الفخ الذي أسقطهم الأمريكان وأعوانهم فيه لحساب إسرائيل، أمراً عسيراً جداً.

وتتزامن هذه الحملة مع ضغط إسرائيلي أمريكي لإعادة "الجزم الأمريكية" فوق الأرض العراقية، وهو المشروع الذي اضطرت أميركا إلى التقدم به خطوة خطوة، بسبب المعارضة الشعبية الشديدة والكراهية العميقة للإحتلال الذي رأى العراقيون بشاعته. لقد تم في البداية تكريه الناس بالجيش العراقي، ثم أتيح لفرق إسرائيل الإرهابية "داعش" وبمساعدة القادة العملاء من سفلة صدام الذين أعادتهم أميركا عنوة إلى الجيش والفرق التي أسستها، أن تسيطر على المدن، لتطلب الحكومة المساعدة الجوية من أميركا. ثم سيأتي الأمريكان ويقولون أنهم لن يستطيعوا شيئاً بدون وضع "الجنود على الأرض"، وسيقوم عملاءهم بالمطالبة بذلك بحجة تحرير الأرض، كما جاء في الأخبار بالفعل: "الالوسي يدعو الى مشاركة قوات دولية برية مع العراق لتحرير ارضه المغتصبة"(20)

وفي حالة فشل هؤلاء في تحقيق الضغط الكافي، فسيرتبون حركة جديدة تتقدم فيها داعش أكثر، فيزداد الخوف والضغط.  وبمساعدة قانون "الحرس الوطني" والتشكيلات المشبوهة واستخدام القانون لمنع الجيش من دخول أية محافظة يزداد التقدم والإقتراب من بغداد حتى يسقط الرعب كل الإعتراضات ويعود الأمريكان متفضلين!

وبالطبع فإن إسرائيل لن تترك الآلوسي وحده يتحمل العار، فستضغط على بقية عملائها لإسناده بتصريحات مماثلة خلال الفترة القادمة، وهو ما سيكشف هؤلاء للناس ويفضح ارتباطاتهم، وقد رأيت خلال الأيام الماضية ملامح هذه الحملة تبدأ من بعض الشخصيات، متمثلة بالدعوة لإدخال الأمريكان وبالسخرية من الرافضين ومن السيادة. وأتوقع أن يشارك بها بقية الساسة والكتاب المعروفين بمواقفهم الأمريكية، ولن تعفي السفارة من المهمة أحد، وهي فرصة ممتازة لتحديد قائمتهم ليعرف الشعب اعداءه جيداً. 

وهنا أوجه دعوة جديدة، ولو متأخرة جداً، لكل من يحترم نفسه وسمعته، وارتكب خطأً المشاركة بجريمة رفع مثال الآلوسي إلى مجلس النواب، بالتصويت للتيار المدني (الذي يسمى مثال الآلوسي الآن "رئيسه"!) والدعاية له، أن ينظف ضميره ويعترف بخطيئته علناً ويعتذر عنها للشعب، لكي يبرئ نفسه من الخيانة والمؤامرة التي توشك الإطباق على البلد. بل أدعوهم إلى تكوين مجموعة على الفيسبوك للنادمين على خطئهم بهذا الشأن. فإن كانوا قد خدعوا بالمجموعة بدعوى مقاومة الفساد، فهاهي أهدافها تتحدد ضمن المخطط العام لتدمير البلاد وليس الفساد، ولا يحارب الفساد من يعمل لجهة أمسكت متلبسة بتأسيس ودعم الفساد، ولن يحارب داعش من ثبت بمليون دليل أن داعش من إنتاجه وأن أعمالها تخدمه. فإذا كان للطائفي أو الجاهل أن يتحجج بشيء عن انتخاب خاطئ، فليس لهم أن يجدوا أية حجة. فها قد أصبح كل شيء واضح الآن ولم يعد هناك مجال للتحجج حتى بالغفلة وسوء التقدير. والوضع الصعب لا يعني الهزيمة.

ف ومن السيادة.ال الأمريكان ولفساد، ولن يحارب داعش من ثبت بمليون دليل أن داعش من إنتاجه وأن أعمالها تخدمهلفساد. بلاده، وقد استلمت مقابل هجمة فصيل الكلاب الإسرائيلية هذه، نلاحظ انطلاق هجوم مضاد رائع، يتمثل ليس في الرفض العراقي لمشروع الحرس الوطني الذي تحدثنا عنه أعلاه وحده، بل هناك وعي جديد على مستوى الوطن العربي للمؤامرة وهناك تحرك ومبادرة لمجابهتها من قبل شباب رائع يرفض أن يكون مشلولاً أمام سحق أهله وبلاده، وقد استلمت اليوم هذا الرابط ووضعته على الفيسبوك عندي.(21)
إنهم يختلفون بالتأكيد ويتناقضون روحاً ومبدأً وإنسانيةً مع مثال الآلوسي ورهطه. فكأي عميل عديم الإحساس بالكرامة، سخر مثال في دعوته تلك من مبدأ السيادة، وقال أن الرفض البعض”انفعالي عاطفي اكثر ماهو واقعي وعملي".. وطبيعي أن "الواقعي والعملي" عند هؤلاء هو الإستسلام للقوة الغاشمة دائماً.
لقد تطبعنا كثيراً على هذا المفهوم الخطير، الذي صار وقعه مقبولاً، والذي يدفع بنا إلى اختيارات العملاء دائماً في النهاية. فدعونا نغسل أرواحنا ببعض الشجاعة التي تبثها في صوتها وكلماتها وحركاتها، هذه المرأة الرائعة، رانيا مصري، حين تتحدث عن الحق والإنسان، لكي لا ننسى أن هناك حق وإنسان وشجاعة. (22)

من لا يستطيع أن يفعل شيئاً مباشراً فعالاً، فلينشر في الأقل، وبكل الطرق المتاحة له، كلمة الرفض وروح الرفض للمؤامرة، ويعلن نفسه في جبهة مقاومة الإنهيار. لقد تمكن العراق في الماضي من إفشال كوارث أمريكية عديدة موجهة له، فمنع تمديد بقاء القوات الأمريكية ومنعت عقود مشاركة الإنتاج إلا في كردستان وقاومت حكومة المالكي ضغوط أميركا للمشاركة مع بقية ذيولها في الهجمة الوحشية على سوريا (التي منعت أميركا لأول مرة في التاريخ من الهجوم عليها)، وسوف يتم إفشال هذه المؤامرة ايضاً.
مازال أمامنا التصويت في مجلس النواب بالرغم من الذيول، ومازال بالإمكان الرفض حتى إن تخاذل مجلس النواب، من خلال اي شخصية في مجلس الرئاسة. علينا أن نسمع هؤلاء صوتنا، لنسجل نقطة نفخر بها للعراق. شكرا لقراءتكم ولننشر الكلمة بسرعة، فالتصويت على المشروع سيتم خلال أيام قليلة.


صائب خليل - مقالات







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق