25‏/8‏/2015

التظاهرات: كيف نطالب لنحصل على ما نريد؟



صائب خليل
22 آب 2015

 لقي مبدأ "المواطن الحاكم" بدلا من "المواطن المحكوم" الذي طرحناه(1)، والمطالب التي طرحناها هدفاً للتظاهرات(2)، حماساً ممتازاً بين جمهور القراء. لكن بعض الأخوة أكدوا ما كنا نخشاه من ان طبيعة تلك المطالب المتعلقة بتغيير الدستور مثل منع التصويت السري أو منع استعمال الحاسبات أو إلغاء صلاحيات العفو للرئيس او الحديث عن حرية السوق والبنك المركزي، لا تبدو مألوفة لدى إذن المواطن أو متعلقة بشكل مباشر بمطالبه التي يريد فيها حلاً لمعاناته، وبالتالي من الصعب ان يتم تبنيها في التظاهرات، وان المطلوب هو شعارات تتعلق بالفساد مباشرة، فذلك ما يعاني الناس منه.


لكن الحقيقة هي أن الفساد يعمل ويعيش وينمو ويسلبنا ثروتنا بأدوات محددة، ولم يعد يكفي أن نطالب بمطالبنا مباشرة لنستعيدها منه، لأن لديه أدواته لاستعادتها منا ثانية حتى لو نجحنا في محاولتنا.

دعونا نأخذ مثلا: لو فرضنا أننا تظاهرنا ضد قرارات حكومية برفع اسعار الكهرباء والغاء الحصة التموينية، ونجحنا بتعطيل تلك القرارات، بل وحتى أسقطنا حتى الحكومة التي قررت ذلك وانتخبنا حكومة يرأسها شخص شريف، وضع نصب عينه أن يلبي مطالب الشعب وأن يتصرف وفق القانون وأن يقضي على الفساد، ويحقق للشعب أمانيه. ما الذي تتصورون سوف يحدث؟

بعد أن يواجه هذا الرجل الحقائق على الأرض، سيأتي ليقول لنا: "للأسف يأشعبي العزيز، يوجد نص في دستورنا يلزمنا بـ "مبادئ حرية السوق". وأن هذه المبادئ تعني التزامنا بترك سوق الكهرباء يحدد اسعارها دون تدخل من الدولة، وبالتالي فأن منافسة الشركات أو اتفاقها على السعر الذي يحقق لها اقصى الأرباح، أمر ملزم بالنسبة لنا. ومن لا يستطيع دفع ذلك الثمن لا يحصل على الكهرباء. هذا إن كان الرجل شريفا يصارح شعبه، أما في العادة فسوف نسمع عبارات مثل "الإصلاح الذي يتطلب التضحية" .. "سنمر بفترة شاقة ثم نقطف ثماره"، "سأكون صريحا معكم.." .. "لا أملك أن اعطي للجميع كل ما يريدون" (راجع خطاب العبادي الأخير).. كلها تبدو شعارات سليمة، حتى تكتشف أن البعض يعطى كل ما يريد وأكثر، وأن هذه "المشقة" من حصة الناس العاديين من ابناء الشعب فقط، وأنها لن تزول أبداً!

هذا لا يتعلق بتأخرنا أو قلة اموالنا، بل هو من اهم "مبادئ السوق"، وحتى المواطن في اكثر الدول الرأسمالية تطوراً يدفع ما تقرره الشركة من اسعار ضمن قوانين السوق ومنافساته. إن سمعتم من يدعو للخصخصة واقتصاد السوق فهذا هو ما يهدف إليه.

ربما تتصورون أن الحاكم الصالح يستطيع أنقاذ الشعب دائماً. هذا ليس صحيح. الحكومة التي يفترض ان الشعب انتخبها لتدافع عن مصالحه، مكبلة وممنوعة من التدخل لدعم الأسعار في نظام السوق، ومن لا يستطيع الدفع من الناس فليشرب البحر! دعوني آخذ لكم مثلا من جنوب أفريقيا التي حباها الله بحزب من الأبطال يقودهم الأسد الأسود نيلسون مانديلا فاسقطت النظام العنصري قبل الأخير في العالم. جاء مانديلا ببرنامج حزبي رائع وبدعم شعبي هائل، لكنه اصطدم بالفخاخ الإقتصادية التي وضعها له دهاقنة السوق، وتسللوا أيضاً إلى لجانه الإقتصادية وأدخلوا بلاده في دوامة "الليبرالية" و"حرية السوق" وراح مانديلا نفسه ومستشاريه يدورون في نفس اروقة مؤتمرات منظمة التجارة الحرة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي المشبوهة، وهي ذات الأروقة التي يدور فيها ساستنا منذ أياد علاوي مروراً بالمالكي وحتى العبادي الذي فاق الجميع في ذلك. والحقيقة أن ما يدور في هذه الأروقة هو باختصار التباحث في كيفية تحويل ثروات الشعوب إلى الشركات الكبرى، وإن لم يقولوها بصراحة.

وماذا كانت النتيجة بالنسبة لجنوب افريقيا وشعبها؟ وجد مانديلا يده مكبلة بالإقتصاد والإتفاقات ووجدها اصلب من قيود الحديد التي كبلته عشرات السنين، ووجد نفسه مستسلماً لاضطهادها بعد كل مقاومته العنيدة لاضطهاد وحشية العنصرية. الغى كل إصلاحاته ووعوده لشعبه، وعاد الشعب يعيش ذات الفقر الذي كان يعيشه ايام النظام العنصري، بل أن نسبة الشعب التي صارت تحظى بالكهرباء أنخفضت عما كانت في الماضي! في الماضي كان النظام العنصري يمنعهم، وفي الحاضر صار نظام "حرية السوق" يمنعهم، فانتقلوا من عنصرية لون الجلد المهينة إلى عنصرية الطبقات الساحقة. فلديهم الحق النظري في كل شيء كمواطنين اعتياديين ولم يعد هناك قانون عنصري يميز بينهم، لكنهم يجدون امامهم قوانين اقتصاد السوق التي تميز ضدهم بشكل أشد وأخبث، فهم ببساطة لا يستطيعون دفع السعر اللازم للكهرباء والخدمات. صار من حقهم أن يسكنوا في احياء البيض ذات المساكن الجيدة والبنية التحتية السليمة، لكنهم لا يجدون المال لدفع إيجاراتها، فلم يكن امامهم سوى ابتلاع غضبهم والعودة إلى مدن الصفيح!(3)

هذا شعب بلد هو الأكثر ثراءا وتقدما في كل قارة أفريقيا، وقد امتلك الحاكم الذي تحلم به كل الشعوب، وفي النهاية كان هذا مصيره، لأنه لم يستطع أن يعي إلا بعد فوات الأوان، خطورة الإقتصاد والإستعمار الإقتصادي لحرية السوق وتصور أنه قادر بتظاهراته على فرض كل شيء. كان الشعب يطالب بـ "الماء الصحي" و "الكهرباء" و "البيوت النظيفة" بشعارات مباشرة.. لكنه لم يطالب حكومته بالإبتعاد عن "حرية السوق" و "صندوق النقد الدولي" ويمنعها منهما. لم يدرك الخطر، فسقط في الفخ!

نفس الأمر تكرر في بلدان اوروبا الشرقية التي تحولت إلى نظام اقتصاد السوق، فتفاجأت شعوبها به وحشاً شرساً أشد قسوة من الدكتاتورية ذاتها وبمراحل عديدة. إنها قصة طويلة ومليئة بالعبر ونأمل ان نحدثكم عنها يوماً بالتفاصيل المدهشة والأرقام الصادمة، لكن دعونا نعون إلى موضوعنا في العراق.

لقد بينا أن على "المواطن الذي يريد أن يحكم"، أن يفهم تلك العلاقة بين قوانين حرية السوق وأسعار الكهرباء وغيرها وأن يتعب نفسه للإطلاع عليها إن لم يشأ أن يكون ضحية سهلة لها. كذلك يتوجب على هذا المواطن أن يميز الإعلام السليم من الإعلام الهادف بشكل قصدي إلى تضليله، والأخير يشمل أكثر من 99% من الإعلام المتوفر!!
إن مهمة "المواطن الحاكم" ليست سهلة، وأمامنا وحوش عبقرية وبلا رحمة وعلينا ان نتذكر أن الكثير من الشعوب قد سقطت تحت براثنها، ودعونا نبقي مأساة جنوب افريقيا في بالنا دائما!


المطالب العشرة مرة ثانية


دعونا نضع العلاقة التي تحدثنا عنها بشكل سهل، ونتذكر إننا عندما:

- نريد نواباً شرفاء لم يأتوا إلى البرلمان بتزوير الأصوات؟ – علينا أن نطالب بـ  ---<
إلغاء استعمال الحاسبة في الإنتخابات، وإعلان نتائج الفرز في نفس يوم غلق صناديق الإقتراع اسوة ببقية العالم.

- نريد شفافية البرلمان كي لا يصوت النواب لمصالحهم الشخصية أو كعملاء مرشوين؟ - علينا أن نطالب بـ  ---<
 منع التصويت السري وإعلان نتائج التصويت بالأسماء، في نفس يوم الجلسة

- نريد تحرير اراضينا من داعش من بلادنا ونحمي الحشد وونجو من مصير سوريا وليبيا؟ – علينا أن نطالب بـ  ---<
"طرد القوات الأجنبية وتحجيم السفارة الأمريكية  والغاء معاهدة الصداقة المزيفة

- نربد أن تبقى الكهرباء والنفط والغذاء والخدمات الأساسية مدعومة من الدولة وبأسعار مناسبة وأن تكون ثروة العراق لخدمة شعبه، وأن لا تمتصها "الأزمات الإقتصادية"؟  – علينا أن نطالب بـ  ---<
رفع التحديدات الإقتصادية في الدستور لصالح اقتصاد السوق، وإلغاء استقلالية البنك المركزي وتأكيد خضوع منتسبيه للقانون العراقي.

إننا لم نر في صور التظاهرات حتى الآن، أية لافتات تحمل مطالبنا ، مطالب "المواطن الحاكم"، لكن الوقت مازال مبكراً ولم تأخذ هذه المطالب الوقت اللازم لتنتشر وتصل إلى عقول وقلوب متظاهرين يرفعونها ويقفون وراءها، وقد وعدنا أيضاً بشرحها أكثر في مقالات قادمة لتحصل على الزخم اللازم، ونكتفي الآن بإعادة إدراج القائمة بدون شرح... فهاهي قائمة مطالب "المواطن الحاكم" ...المواطن الذي يدرك أن البلد بلده وثرواته يجب أن تكون ملك له. المواطن الذي يريد أن يحكم بلده بنفسه ويراقب ساسته ونوابه، ولا يفوض أمره أحداً ولا يرجو أحد أن يعطف عليه...

((1- لا أئتمن الحاسبة على صوتي!))
((2- إعلان النتائج في نفس يوم غلق صناديق الإقتراع أسوة ببقية العالم!))
((3- "منع التصويت السري في مجلس النواب وإعلان نتائج التصويت بالأسماء، في نفس يوم الجلسة))
((4- 100 نائب يكفي!))
((5-"طرد القوات الأجنبية وتحجيم السفارة الأمريكية  والغاء معاهدة الصداقة المزيفة))
((6- حرية المواطن بثرواته فوق "حرية السوق"))
((7- الغاء استقلالية البنك المركزي وحصانة العاملين به امام القانون))
(( 8- تحديد رئيس الحكومة بولايتين))
((9- الغاء حق العفو الرئاسي للرئيس ورئيس الحكومة))
((10- الغاء الفيتو الكردستاني على تغيير الدستور))

(1) الجزء الأول: صائب خليل-  نريد تظاهرات تخلق فينا "المواطن الحاكم
(2) الجزء الثاني: صائب خليل - عشرة مطالب لجمعة "المواطن الحاكم"!
(3) أنظر "مبدأ الصدمة" (The Schock Doctrine) لنعومي كلاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق