1‏/5‏/2015

ألعدو ليس في سبايكر أو الثرثار... ألعدو في المنطقة الخضراء!

 صائب خليل
26 نيسان 2015

نقل الصديق سعد الصالحي، (الذي استعير منه عنوان هذه المقالة)، هذا الوصف لما جرى في ناظم الثرثار: "منذ أسبوع تقريبا تأتي الندآءات والأستغاثات من الجنود المحاصرين في ناظم الثرثار.والقيادة (المصخمة)لا حس ولاخبر فلا طيران الجيش شاغل العدو الداعشي لحين وصول الأمدادات والتعزيزات ولا تحركت النخوة او الغيرة لدى أعضاء القيادة وأمروا أقرب قطعات بالتحرك السريع لنجدة القوات المحاصرة الى أن فرغت ذخائرهم ولم يتراجعوا او يستسلموا حتى هاجمتهم ستة جرفات مفخخة وأنتحاريين وأستشهد من أستشهد وأسر من أسر وأول الشهداء قائد الفرقة الأولى وأكثر من 60 شهيد وأسر 50 تم قتلهم في الفلوجة وفقدان أكثر من 20".

وقد وردت أوصاف أخرى للمعركة وعدد الضحايا، لكن الخط العام يبقى صحيحاً: قطعات محاصرة تصمد اياماً عديدة وتستنجد دون جدوى!
وقبلها كان الأمر مشابها في بيجي، وكاد ينتهي بنفس المأساة لولا وصول قوات الحشد الشعبي!

مذبحة الثرثار تلح علينا، وبعد الصحو من هو الصدمة، بالسؤال الملح: لماذا لا ينجد المحاصرون أبداً في العراق؟ فما جرى في الثرثار لم يكن سوى تكرار حرفي لمذابح سابقة في الصقلاوية وفي سبايكر ومناطق أخرى عديدة: وحدات عسكرية تحاصر وتستنجد وتقاوم أياماً دون أن يأتيها أي مدد يفك الحصار عنها ولا أثر لدعم جوي لها، لا بإلقاء المعونات ولا بقصف من يحاصرها، وتبقى كذلك حتى تسقط ويذبح من فيها.
ويجب أن لا نتصور أن هذا السيناريو محصور بهذه الحالات المعدودة، فمما لا شك فيه أن قطعات أخرى قد حوصرت ولم تجد الفرصة لتوصل صوتها إلى الإعلام أو لم تحاول ذلك، وذهبت دون أن يعلم بمأساتها سوى قياداتها.
وهناك حالات أخرى من نوع مختلف لم يشر إليها الإعلام كثيراً لأن من صمد فيها تمكن في النهاية من رد هجوم الوحوش، وأيضاً دون أن يأتيه أي دعم، أو جاء بعد فترة طويلة جداً غير معروفة في السياق العسكري، كما حدث لبعض المدن. فمدينة عنه قبل ان تسقط في الهجوم الأخير لداعش كانت قد صمدت لهجوم سابق في أيلول 2013، وقاوم أبناؤها بالرشاشات الخفيفة في شوارع المدينة هجوماً شديداً لداعش مدعوم بشاحنة متفجرة انتحارية استهدف مركز الشرطة بالدرجة الرئيسية، واستمر الهجوم منذ منتصف الليل وحتى خيوط ضوء الفجر، ثم انسحبت داعش – القاعدة –  بهدوء بعد أن فشلت في تحقيق هدفها دون أن تزعجها أية طائرة أو تقطع طريقها أية قطعة عسكرية وسارت آمنة بأرتالها المكشوفة إلى السماء، إلى أعماق الصحراء.. وبعد نصف ساعة من انسحابها جاءت قوة عسكرية من القاعدة المجاورة، واطلقت بعض الرصاص في الهواء ثم عادت إلى قاعدتها!

وإن كان لقيادات الجيش أن تتحجج بالإتصالات وعدم توفر الطائرات، فإن قصة عنه تكشف كل هذه الأكاذيب، لأنه كانت هناك قاعدة عسكرية على بعد كيلومترين من المدينة، وأن اصوات الإنفجارات الهائلة في تفجير الجسور والشاحنة الإنتحارية وصلت مسافات هائلة في هدوء الليل وسمعها الناس حتى في مدينة حديثة! وقد كتبنا عن الموضوع أكثر من مقالة كان أولها "مدينة عنه تشتبك مع القاعدة لمدة ساعتين ونصف". والملاحظة الأخرى الغريبة في هذه القصة وكل القصص الأخرى عن الحصارات التي لا ينجدها أحد، هي أن أي تحقيق لا يجري ولم يسبق أن حملت المسؤولية الخطيرة لهذا "الخلل" على أية جهة على الإطلاق!

ومن الواضح هنا أن القضية لا علاقة لها بالطائفية، ونحن لا نعرف طائفة قيادة الفرقة العسكرية، ولكن حتى إن كانت القاعدة تحت قيادة عسكرية طائفية (شيعية)، وكانت من شدة الطائفية أنها فضلت أن تترك المدينة تذبح من قبل القاعدة، أنتقاماً منها أو لأي سبب آخر، فيتوجب عليها أن تحاصرها وتترصدها عند إنهاء هجومها وخروجها ، لأن هذه هي القاعدة التي تستهدف الشيعة بشكل رئيس، وستذهب بعد هذا الهجوم لتقتل الشيعة أليس كذلك؟ إذن لم يكن للطائفية اية علاقة بالأمر، بل هو أعمق وهو أمر مخطط وبعيد عن المشاعر.
وإثر تكرار هذا الأمر كتبت لاحقاً: "فعندما تترك القوات الحكومية الإرهاب الذي هاجم مدينة، وبشكل واضح التعمد، يذهب في طريقه بسلام، علماً أنه كان إرهاب "القاعدة" ذاته، أي الإرهاب الذي يرى جميع الشيعة أنه موجه ضدهم بشكل خاص، فإن هذا التجاهل يتعدى "الإنتقام من السنة" إلى مساعدة الإرهاب الموجه ضد الشيعة على البقاء وتركه يكمل عملياته وينسحب، ليضرب بعد حين في مكان آخر، ربما كان مدينة شيعية."


لم تسقط عنه حينها، لكنها أعطت سكانها انطباعاً بأنهم لا ينتمون إلى دولة تحميهم أو جيش يقف معهم، وأن عليهم ان يدافعوا عن أنفسهم وحدهم، وربما ساعد هذا الشعور بالعجز والعزلة على استسلام عنه في الهجوم التالي لداعش، دون مقاومة.

ويمكننا أن نورد أمثلة أخرى عديدة لمدن أخرى مثل بهرز بعد حوالي سنة من الهجوم الأول على عنه، فجاءتها قوات سوات المتفقة مع القاعدة وعاثت فساداً في المدينة وقتلت الناس من السنة على وجه الخصوص، وهو ما يبرهن (إضافة إلى شهادات أبناء بهرز الشجعان الذين دفعوا ثمن شجاعتهم فيما بعد) أن المجرمين كانوا من سوات وأنهم كانوا ينسقون الهجوم مع القاعدة. وهنا أيضاً لم ينجد بهرز أحد، والأدهى من ذلك أن لم يحقق احد بالأمر رغم كثرة الشهود ومعرفة أسماء المجرمين من قبل الأهالي!!!
كتبت حينها مقالة "مجزرة بهرز...عندما يكون التحقيق واجباً، تكون الثقة عدواناً"(1) محتجاً على غياب التحقيق. إن بهرز شعرت بلا شك بأنها متروكة لوحدها وأن العراق ليس فيه، قدر تعلق الأمر بها، اية حكومة أو جيش!

وقبل فترة وجيزة تركت مدينة حديثة لوحدها أشهراً تحت الحصار دون نجدة حتى جاءها الحشد لينقذها من الحصار والجوع.. لا جيش عراقي ولا طيران عراقي ولا تحالف العبادي الدولي ولا بطيخ.. لم يكن هناك في العراق من قوة عسكرية سوى الحشد الشعبي تمثل هذا البلد!!

لست الوحيد الذي انتبه إلى تكرار هذا السيناريو المشبوه، فقد كتب أياد السماوي (رغم عجزه عن استبعاد الخط الطائفي في تحليله) وتحت عنوان “مأساة الصقلاوية تتكرر في ناظم الثرثار في ظل حكومة الجبناء ”:... فالسيناريو هو نفسه في كل مرة , وحدة عسكرية من فوج أو لواء تحاصر من كل الجهات من قبل مجاميع داعش , الجنود والضباط المحاصرون يستغيثون ويطلبون النجدة من رئيس الوزراء ووزير الدفاع , وكالعادة لا أحد يسمع صرخاتهم ويستجيب لندائاتهم بالاستغاثة , وبعد يومين أو ثلاثة يصحو الرأي العام على مذبحة جديدة قد راح ضحيتها عدة مئات من ولد الخايبة المساكين الذين وثقوا بحكومتهم وقيادتهم , وما حصل يوم أمس الجمعة في ناظم الثرثار هو تكرار لسيناريو الصقلاوية وبنفس المنتج ونفس المخرج ...شباب بعمر الورد لبوّا نداء الوطن ونداء المرجعية الدينية العليا في الدفاع عن وطنهم ومقدّساتهم وأعراضهم , وكانوا صادقين مع الله ومع أنفسهم , لكنّ هؤلاء الشباب لم يتصوّروا أنّهم ذاهبون لحتفهم , ولم يجري في خلدهم أنّ قادة هذا البلد هم تجار حروب ومجرمون وفاسدون مع سبق الاصرار والترّصد , وأنّ القيادة العسكرية التي يقاتلون تحت إمرتها , مخترقة من قبل الإرهابيين والبعث المجرم , وكيف سيعرفوا أنّ الحكومة من رأس الدولة ورمزها ومرورا برئيس الوزراء ورئيس مجلس النوّاب والوزراء والنوّاب كلهم فاسدون وليس فيهم شريف واحد , ولو كان فيهم شريف ويحمل ذرة واحدة من الكرامة لما بقى في هكذا حكومة فاسدة وجبانة"(2)
هذه الحكومة "الفاسدة والجبانة" كانت مطلعة تماماً على ما يحدث، فقد تمكن المحاصرون من الإتصال بوزير الدفاع نفسه و بأكثر من جهة أعلامية(3) وسياسية وحتى اتصلوا بالمرجعية يرجون الدعم وبثت نداءاتهم في وسائل الإعلام!(4)

ولنلاحظ هنا هنا أننا في بلد تتصل قطعات جيشه العسكرية بالإعلام وبالمرجعيات لطلب المعونة العسكرية! ولنلاحظ أن هذه القطعات تعطي في هذه الإتصالات كل المعلومات التي بحوزتها ومنها معلومات عسكرية في غاية الخطورة عليها مثل تفاصيل أوضاعها وعددها وعدد قتلاها وجرحاها وكمية الذخيرة الباقية لديها ومدى ما يكفيها الطعام المتبقي لديها! كل هذه المعلومات التي لا يحلم العدو أن يحصل عليها، تتوفر له في وسائل الإعلام ومن اي شخص يتصل بهذه الوحدات! وبالرغم من ثقتنا بأن أغلب من يتصل يفعل ذلك بقصد المساعدة، لكن لا يستبعد أبداً أن يكون البعض منهم مدفوعين لهذا الهدف بالذات، لتوجه داعش اهدافها تجاه المحاصرين على ضوء تلك المعلومات!

الجنود يعطون معلومات تساعد على إقامة مجزرتهم، لكن ما هي الفرصة أمامهم إن لم تكن قيادات جيوشهم المخترقة تستجيب لهم ونراهم يتعلقون بقشة الأمل بهذا الإتصال؟

لنلاحظ أيضاً أن هذه المأساة "عابرة للحكومات" وأنها تتكرر اليوم بالضبط كما كانت في عهد المنبطح السابق، المالكي. ومن الواضح إذن أن هناك اتفاقاً بين الأمريكان الذين يديرون عمليات داعش، وبين أية حكومة تصل إلى بغداد، بأن لا تتدخل الحكومات بعمل الجيش المخترق الذي أسسته أميركا ووضعت على قياداته أمثال الغراوي وبقية الخونة الذين سلموا الموصل، وأن مهمة "القائد العام للقوات الملسحة" أن يعطي الفرصة كاملة للإرهاب ليدمر بلاده دون اعتراض وأن يقوم بالمساعدة على إفلات الخونة من العقاب بالإكتفاء بإحالتهم على التقاعد في الحالات القصوى، وبعدم اتخاذ أي إجراء في الحالات الأخرى الكثيرة.

العبادي الذي كسب رضا الإحتلال بوعوده بأن يكون أكثر انبطاحاً له ولكردستان، والذي سمح له مستوى شرفه أن يقف مدافعاً عن قوات التحالف التي كانت تقصف جيشه، هو المسؤول المباشر عن هذه المأساة وغيرها، ومعه كل الذين سمحت لهم اميركا بالمشاركة في هذه الحكومة العفنة، وخاصة وزير الدفاع، وكل من لا يقدم استقالته فوراً منها. أما حساب العبادي فيجب أن يكون من نوع آخر... إن عدو العراق الأكبر ليس في الثرثار.. إنه في المنطقة الخضراء.. فكم مذبحة أخرى سنحتاج لكي ندرك ذلك؟


(2) مأساة الصقلاوية تتكرر في ناظم الثرثار في ظل حكومة الجبناء , بقلم أياد السماوي
(3) آخر مكالمه هاتفية مع احد الجنود قبل استشهاده
(4) استغاثة ضحايا ناظم الثرثار من خلال القنوات الفضائية
 https://www.facebook.com/Assadalsekhi/videos/10202926469801574 /


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق