11‏/11‏/2014

جلد أمة للسيطرة عليها 3- العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في زمن صعب

صائب خليل

أثارت مقالتي "تهجير المسيحيين... لا تدعوها تصبح وصمة عار في تاريخنا!" ضجة كبيرة في موقع برطلة وجاءت نتيجتها عكس المتوقع من مقالة تدافع عن المسيحيين في العراق. لكن الغرابة زالت بعد تكشف الحقائق..وتبين أن مثل هذه الغرائب ما كان يمكن أن تحدث إلا تحت ظروف اعتياد جلد المسلمين التي ينشرها إعلام عظيم، ويتقبلها المجلود بصمت جبان ومتواطئ، فشجع حتى من لم يكن متطرفاً، على المشاركة في جلده، وأن يجلد حتى وهو يقوم بالدفاع عن حقوق من يجلده! لننظر أولاً ما جاء في المقالة، لنرى إن كانت فيها أية لمحة إساءة للمسحيين: (1)


كتبت: "ما يتعرض له المسيحيون خطير وكبير ومؤلم، ليس فقط عليهم، بل على البلد والشعب كله وما يتوقع أن يصيبه حين يراد اقتطاع فلذة من كبده، فليست تلك القطعة هي التي ستتألم وحدها بل هو أيضاً ، وسيدفع الثمن! ومن هنا فأن الوقوف بوجه هذا العمل الهمجي اللاإنساني من واجب الشعب العراقي ليس تجاه مسيحييه فقط بل تجاه نفسه، ودفاعه عنهم دفاعاً عن كيانه هو، ليس لأحد أن يشكره عليه.
أريد هنا التركيز على موقفي الداعم بلا حدود والمتعاطف بلا حدود مع الدفاع عن اصدقاءنا المسيحيون الرائعون الذين نفخر بهم...فيكفي الشعب أن يكون لا أبالياً لكي يتيح لأشراره أن يسيطروا على الساحة وأن ينشروا في محيطهم وفي العالم، الآلام باسمه، فيتسببون بالكثير من الأذى للآخرين ويسيؤون إليه، وهو ما يحدث في العراق اليوم في قضية تهجير المسيحيين الخطيرة.
داعش ليست سوى فرقة عسكرية أمريكية إسرائيلية التدريب والأهداف ((ربما كانت هذه العبارة هي ما أثار من رد على المقالة))، وفي كل يوم يأتي دليل إضافي على ذلك، وآخرها ما كشفه سنودن من ارتباط أبو بكر البغدادي بوكالة الأمن القومي الأمريكي والموساد. لكن هذا لا يكفي لإزالة المسؤولية عن الإنسان المسلم الذي يرى أخاه المسيحي يتعرض لتلك المؤامرة الخطيرة، ويخشى أن يفقده الوطن إلى الأبد."
ثم بينت أن هناك من المسلمين من وقف مع المسيحيين وهناك من لم يؤد واجبه في ذلك للأسف .. داعياً إلى أن لا نسمح أن تتحول هذه اللحظة التاريخة إلى وصمة عار علينا.

وبالفعل أجاب أحد مدراء الموقع الأستاذ ماهر سعيد متي بشكل إيجابي: "تحليل جميل .. وواقعي .. فأنا كنت دائما ما استشعر المحبة من اخوتنا المسلمين الذين ينظرون الينا بنظرة الاخوة والشراكة والاصالة والاعتزاز .. وما يحدث ليس سوى برنامج واجندة خارجية الغاية منها خلق كاونتات صغيرة متقاتلة ومتصارعة ضعيفة لصرف النظر عن الارض الموعودة ( اسرائيل )"

لكن آخرين بادروا إلى الهجوم الشديد...
آرامي: "ما يحدث للمسيحيين والاقليات هو وصمة عار على الانسانية، ومهما دافعت او حاولت لوي عنق الحقيقة فالمنفذ للجريمة هو المتشددين الاسلاميين والتعاليم المتشددة في الدين الاسلامي والتي لا تستطيع لا انت ولا غيرك ان ينكرها لانها موجودة في القرآن ويتحجج بها المتشددون ويسكت عنها ما يسمى بالمعتدلون لانهم يعرفون يقينا بانها موجودة ويعرفون ما تعني ولكنهم يسكتون خوفا من ان يعرفهم العالم على حقيقتهم...لم يامر الدين المسيحي باي جرائم وليس في تعاليمه اي اعتداء على احد بل بالعكس قال الرب "احبوا اعدائكم" ولم يقل اقتلوهم ، وهو دين محبة وتسامح."

ويرد عليه الأستاذ ماهر سعيد رافضاً ومذكراً بالإعتدال، فيجيب آرامي: "ما تسميه بالتفسير المعتدل والمواكب للحياة هو الغير صحيح باعتراف المسلمين انفسهم ويمكنك قراءة التاريخ الاسلامي. اخطاء كنيسة معينة وليست اخطاء ديانة كاملة، فلم يأمر الدين المسيحي بقتال الكفار وقتلهم وسبي نسائهم وغيرها من التعاليم الشاذة. كما لم يدعوا الدين المسيحي لمحاكم التفتيش وغيرها من الممارسات الشاذة، وما قامت به احدى الكنائس المعروفة هو بالضد من تعاليم الدين المسيحي ولا يمكن باي شكل من الاشكال نسبها للمسيحية."
أجبته: "أخي الأستاذ آرامي. أنت تقول الجرائم التي ارتكبت "باسم المسيحية" لكنك لا تقول التي ارتكبت "باسم الإسلام"، ...إبادة الهنود الحمر ذاتها ارتكبت باسم المسيحية.. أقر بأني لا اصدق أنها فعلاً كانت من أجل المسيحية لكني بالمقابل لا اصدق لحظة واحدة أن داعش لها علاقة بالإسلام.."

وأؤكد لك أنه ليس هناك أي حقد إسلامي على المسيحيين وأنا لم أجد ذلك الحقد في المسلمين ممن أعرفهم، حتى في أؤلئك الذين اعتبرهم متطرفين، فالإسلام يقول بوضوح تام أن المسيح نبي وأنه مساو للنبي محمد في القيمة".
ويضيف معلق آخر باسم "ماجد": “حالما تطبق الاسلام الصحيح فأنت لن تكون سوى داعش”! ليكمل "وقت السيف والهمجية قد مضى وأضحى مكانه التكلنوجيا المتطورة، فالعرب لم ولن يستطيعوا مواكبة هذا التطور الهائل بسبب العقلية البدوية الصحراوية"...

والحقيقة أن "وقت السيف والهمجية" الذي لم يخترعه العرب، لم يمض، بل تطور وصار أكثر وحشية، وعلى ايدي الغرب المسيحي، وأصبح "وقت اغتيالات الدرونز، والقنابل النووية التي تبيد المدن"..

أشار الأستاذ ماجد إلى سورة التوبة مؤكداً أن المسيحية بالمقابل دين سلام، وأجبته: "الأستاذ ماجد، هل تريدني أن آتيك بآيات مسيحية أشد عنفاً من آية التوبة؟ حقيقة أنا لست مهتم بذلك ولا أريد الدخول في هذه المباراة ، وأعلم تماماً أن المسيحيين لا يتصرفون أنطلاقاً من تلك الآيات الوحشية، كما لا يتصرف المسلمون أنطلاقاً من آية التوبة أو غيرها...أنت تسأل من أين يستقي داعش تعاليمه؟ يمكنك أن ترى حقيقة ذلك من الموقف من غزة مثلاً، فداعش لم تحتج حتى على مذابح غزة ، دع عنك أن تذهب للقتال معهم، فأي "مسلمون متطرفون" مضحكون هؤلاء، وأي ضحك على الدقون في ربطهم بالتطرف الإسلامي؟....إنك تكرر قصة "جهاد النكاح" ولا أتصور أنك لم تقرأ أنها مزورة لم يفت بها أي مرجع إسلامي.

ويرد آرامي على دعواتي بالأخوة الدينية والمساواة بالقول: “لن اقارن المسيح بمحمد، فلا مجال للمقارنة (!!) وستكون تجني على شخص السيد المسيح.”
صائب خليل: "من هو الأكثر هبوطاً وإسفافاً في التطرف، جاهل صحراوي يؤمن أن محمداً يساوي المسيح ويساوي موسى وأنهم سواسية أمام الله، ام "مثقف" يعتقد أنه "لا مجال للمقارنة بين عيسى ومحمد"؟...
ورداً على الإشارة إلى أن المسيحيين هم السكان الأصليين للعراق، كتبت: “أن من يتحدث عن "سكان أصليين" ويعتبر المسلمين محتلين هو عدو لهم بالضرورة ، ومن يبحث عن زواغير في التاريخ ليشكك بنبيهم، هو عدو لهم بالضرورة ومن لا يحترم مشاعرهم هو عدو لهم بالضرورة، وأنا متأكد أنك لو وجدت نفسك في أغلبية مسيحية لحملت سيفك لإزالة هؤلاء "المحتلين الغزاة"......”

إنني أختصر هنا لشدة طول التعليقات وليس لأختيار السيء منها فقط، وقد أزلت منها المخاشنات الشخصية المتبادلة (يمكن مراجعة المقالات من الروابط المرفقة للتأكد)... وقد أجبت على أحد التساؤلات: "لم ترَ مسيحي فجَّر نفسه؟ لم تر مسيحي يقتل؟ ما رأيك بمسيحي يقتل ويفجر بلداناً كاملة دون أن يحتاج أن يفجر نفسه؟ أم أن الأمريكان ليسوا مسيحيين؟ والمانيي هتلر لم يكونوا مسيحيين؟ .. أقترح عليك أن تترك الإنجيل قليلاً و تقرأ كتاب وليام بلوم "قتل الأمل" أو جومسكي "501 عاماً والحرب مستمرة".
وكان قد احتج على وصفي لتصرفات بعض الأقباط بالوحشية، فأجبت مشيراً إلى تفاخر أحد قادتهم “موريس صادق” بشاب قطبي قتل زوج أخته المسلم في بيته! وكذلك دعا موريس إلى احتلال مصر. (2)
وتحدثت عن تفاصيل بعض جرائم المسيحيين في أميركا والمانيا وبلجيكا وهولندا، وأخبرته أن هنتكتون قد قال صراحة في كتابه "صدام الحضارات" أن سيطرة الغرب على العالم لم تكن لتفوقه الأخلاقي بل لتفوقه في استخدام العنف"، مؤكداً له "أنا لا أحمل المسيحيين جرائم المسيحيين"، لكني آتي بالأمثلة رداً على ادعاءته بأن المسلمين كلهم وحوش وأنهم وحدهم من يمارس العنف ومارسه في التاريخ.

وهنا يكتب ماجد عني: "انا اول الناس كنت مخدوع فيه، نعم لقد زين صائب خليل مقاله بورق سوليفان جميل لكي يخدع القراء" ..."الأخ صائب خليل قد ورث دينه من اهله كما يفعل كل الناس في كل الأديان، ولكن انا اشك انه يوما فهم دينه، ... فهو حرم عليه السؤال طبقا لما ورد على لسان نبي الإسلام لاتسئلوا عن أشياء ان كانت تبدو لكم تسيئكم. وأخيرا اقول اشكر الرب على نعمة التكلنوجيا، لأننا نكتب ونكشف عورة هؤلاء دون خوف."

ومن ردودي: "عزيزي آرامي... لماذا يحق لك أن تنكر مسيحية هتلر ولا يحق لي ان أنكر إسلامية أبو بكر البغدادي؟ أميركا ليست مسيحية؟ لدي كتاب يؤكد أن أميركا غارقة في تطرفها المسيحي، حتى أنه لا يوجد مرشح للرئاسة لم يؤكد التزامه الديني ، ويرى جومسكي أنها لا تقل تطرفاً في تدينها عن إيران... حتى هولندا الأكثر تطوراً إجتماعياً من أميركا عشرة مرات، لديها حزب مسيحي له مقاعد في البرلمان (ثابتة تقريباً) يسمى (SGP) لا يسمح فيه للمرأة أن تحتل منصباً قيادياً أو إدارياً، وقد أثار الموضوع ضجة قبل أكثر من عشر سنوات، ورفض الحزب تغيير قوانينه!"

"من هم "سكان العراق الأصليين" ومن هم "غير الأصليين"؟ لنفترض أنكم جئتم اولاً... ما الذي تريده الآن؟ ماذا عن المسيحييين الذين جاءوا بعد الإسلام؟ هل يجب أن نقر بتهجيرهم إذن؟ نحن نقف تماماً ضد من يريد تهجيركم، ...دون أن أحتاج إلى أن أعتبركم "سكان العراق الأصليين" ، فكل سكان العراق "اصليين" عندي ولا أسمح لأحد أن يهجرهم، مثلما لا اسمح لأحد أن يهجرني...ولا أسمح لأحد أن يميز ضدهم مثلما لا أسمح لأحد أن يميز ضدي...
ألا تلاحظ أنك أنت الأقرب مني إلى داعش؟... فانت وداعش تبحثان عن طريقة تميزان بها دينكما عن الآخرين! لا أستطيع أن أجد فرقاً فكريا بينكما، وأنا أستهجن فكركما معاً.."


هذه كانت بداية الجدل، ثم تطور إلى أن احتوى كلاماً خشناً من الطرفين واشتكى الطرف الآخر للإدارة عدة مرات فحظرتني عن الموقع (دون الآخرين!) لفترة ثم ألغت الحظر ووجهت إنذاراً لجميع الأطراف، فكتب متي أسو مقالة بعنوان "تعهد"، تسخر من الإنذار وممن أصدره. (3)

وكان أسو قد رد على مقالتي بمقالة بعنوان "نعم انها وصمة عار"(4)جاء فيها: "بل انها وصمة عار شئنا ذلك ام ابينا ، وستبقى نقطة سوداء في تاريخ الاخوة الاعداء يضاف الى تاريخهم الحافل في الاعتداء على من يخالفونهم ."....والاخطر من ذلك هو محاولاتهم المستمرة لتحويل انظارنا نحو فاعل مجهول - "الامبريالية والصهيونية " ..
فكتبت منبها إلى ما يحدث: "أخواني...لقد كتبت مقالة تدعو المسلمين إلى أن يقفوا ضد تهجير المسيحييين وأن لا يجعلوها وصمة عار في تاريخهم، فأين المشكلة في هذا؟ وهل يمكن أن يثير مثل هذا المقال، الغضب لدى إنسان عاقل ليكتب ضده؟ أنتم لا تريدون حقاً الدفاع عن المسيحيين المهجرين، بل تريدون بالذات جلد الإسلام والمسلمين، وهذا اهم لديكم من (الوقوف ضد) التهجير نفسه، والدليل أن مقالة تقف بوضوح ضد التهجير وضد داعش، تثير انزعاجكم لأنها لا تقول بجلد المسلمين جميعاً وتأكيد تأصل العنف في دينهم كما يلذ لكم ...من الذي يدافع حقاً عن المسيحيين المهجرين، هلو هو من يقول للمسلمين أن التهجير والقتل ليس من دينهم ليبعدهم عنه، أم من يؤكد لهم أن دينهم يدعوهم للقتل والتهجير؟؟؟

الإسلام حقيقة ثابتة وهو إيمان الغالبية الساحقة من سكان هذه البلاد، ولا شيء سوف يغير هذه الحقيقة إطلاقاً، ...فهل من مصلحة المسيحيين أن يعتقد كل مسلم أن دينه يدعوه لقتل المسيحي وتهجيره، أم أن يعتقد أن دينه يدعوه للسلام مع المسيحيين وكل البشر، وأن يثق بعناصر الخير في هذا الدين ويحرص على نقائه وسيطرة القيم الإنسانية العليا فيه؟

"آرامي" أقر بأن المسلمين أغلبية، ولكنها عددية فقط وليس "نوعية"! ثم يحتج في ذات الجملة على المسلمين لأنهم يعاملون الآخرين بدونية!

عاد متي أسو ليكتب مقالة من حلقتين بعنوان “الصليبيون ... وشيء من التاريخ” (5) معدداً الغزوات الإسلامية للغرب دولة دولة وجزيرة جزيرة ومدينة مدينة ليضيف إليها بين الحين والآخر عبارات عن المجازر التي ارتكبوها محولا مقالته إلى ملحمة ومجزرة تاريخية قام بها شياطين المسلمين على الملائكة الآمنين من المسيحيين واليهود..ومركزاً على ديانات المدن والدول والأحداث مثل "فرنسا الكاثوليكية" .. "صلب" قرطبة، وحرق الكنائس واغتصاب الراهبات
 وافق على)كم جئتم اولاًمقالة، وأرجو أن تتوقعوا معي ردود الفعل المنتظرة. بعد تكشف الحقائق.. م في صفوفها ويرفضون الخدمة في الجيش.
 وطبعاً لا يقدم متي أسو أية روابط أو مصادر لأخباره لكي يفهم منها القارئ إن كانت مصادره تستحق الثقة أم لا، وفي أي من التفاصيل. وليس هناك في مقالة أسو أية تفاصيل محاولة لقصد: تبرير الحروب الصليبية! دموية قام بها المسيحيون في 200 عام من أبشع الحروب في التاريخ سوى العبارة اليتيمة التي أضافها كخط دفاع كما يبدو لأنه يعلم أني سأقرأها، بأن المسيحيين حين احتلوا القدس "عملوا تقتيلاً في المسلمين".. وخلص!
وقد دفعني هذا الموقف المتحيز أن أبحث قليلاً، وبالفعل وجدت وترجمت بعض ما جاء من أقوال مسيحيين غربيين يحترمون كلمتهم في الأمر، تختلف 100% عن كلام آرامي وأسو. كما ترجمت مقطعاً لمجزرة قام بها ريتشارد قلب الأسد لسكان عكا، بقصد نشر الترجمات في هذه المقالة، لكني عدلت خشية أن تستخدم من قبل متصيدين بالماء العكر من المسلمين، ممن يشبهون متي أسو وآرامي من المسيحيين.

البارحة اتصلت بصديق في العراق، فأكد لي أن معظم المسيحيين من أطيب الناس وقال انهم "زهرة العراق"، وهو ما أكد لي ما أعرفه جيداً منذ زمن. وأؤكد لكم إننا لم نعرف حقداً على مسيحي، لا من حاضرنا ولا من تاريخنا، ولم نقرأ حتى أمثال قصة أسرى عكا وقلب الأسد في مدارسنا (وهي مدارسكم وتعرفونها جيداً)، لكن أمثال أسو هم من يدفع بنا إلى أن نقرأ هذا التاريخ، ليس لاستخدامه سوطاً لجلد المسيحيين اليوم، وإنما لكي نرد على الذين يريدون شيطنه الإسلام وتاريخه. فهناك الكثير من معدومي الضمير، الذين ما إن يرون أمة تتكاثر جراحها حتى يرفعوا خناجرهم للمشاركة في الإجهاز عليها بحجة الدفاع عن النفس، وليست هذه أبداً تصرفات من يدافع عن النفس!

أنظروا مثلاً إلى مقالة “صباح دمان” بعنوان “أين سيجد أحفادنا وذريتهم في أوروبا وأمريكا وطناً أخر يهاجرون إليه مستقبلاً ...؟” (6)
إنها نموذج للأدب النازي في المانيا والذي كان يحرض على اليهود، عشية وصول هتلر إلى السلطة، وهيء الجو للماساة التي حدثت لهم، ونحن نشعر اليوم أن المسلمين مهددون كما كان اليهود مهددين. المقالة في معظمها ترجمة لتقرير من "إحدى الوكالات الأمريكية" كما يقول (دون ذكر إسمها أو رابط لدراستها)، عن “الكارثة” التي ستحل بأوروبا بسبب انخفاض نسبة توالد المسيحيين مقابل المسلمين، و"الصورة الضلامية" التي ستحل هناك بعد منتصف القرن الحالي عندما تعبر نسبة السكان المسلمين الـ 50% وتسلمهم الديمقراطية السلطة! فعندها..."ستتحول فرنسا نابليون بونبارت وجان جاك روسو وفولتير ومدام كوري وشارل ديغول إلى إمارة إسلامية عام 2053...!"
ويتبنى صباح دمّان موقفاً نازياً صريحاً عن "العرق الجرماني": "الفائق الذكاء، شعب أنشتاين وكارل ماركس وبيهوفن ويوهان جوته، ستطبق عليه الشريعة الإسلامية بعد 36 سنة أي في عام 2050...! ". وبنفس الطريقة "ستتحول مملكة التاج البريطاني إلى ولاية إسلامية، وستختفي رموز شهيرة مثل متحف شمع مدام توسو واللوفر(؟؟...صباح دمّان، أو من نقل عنه تلك "الدراسة"، لا يعرف أين يقع اللوفر!) ودقات ساعة لندن ويتلاشى رواد هايد بارك ومسرح شكسبير ويُمزق تاريخ وطن تشرشل ." وكذلك سوف "تتحول وريثة الإمبراطورية الرومانية العظيمة إلى دولة للخلافة وتُطبق عليها الشريعة الإسلامية وتفرض الجزية على أحفاد قياصرة روما الشموخ والكبرياء ، وحتى على الفاتيكان ." و "سيستأصل السيف الجهادي جائزة نوبل للسلام في عاصمة ألفريد نوبل."
 أما هولندا فمصيرها المظلم قريب، ودليل الكاتب أن أحد المتطرفين المسلمين دعا ملكة هولندا لإعتناق الإسلام علانية وبشكل إستفزازي"! (في مسرحية مفضوحة تماماً، تم ترتيبها لإشاعة الرعب).
لذلك سوف "يتوجب على أحفادنا وذريتهم"..." أن يُكيِفوا أنفسهم ... ويتأقلموا مع مجتمع متخلف تحكمه عقول رملية متصحرة " ...."تعيدهم إلى عصور الكهوف المظلمة ".
والدليل الوحيد لدى صباح، صور لبضعة ملثمين لا ترى وجوههم، تحمل شعارات "لتذهب الحرية إلى الجحيم" و "أقطعوا رؤوس من يهين الإسلام" و أخرى " كونوا مستعدين للهولوكوست الحقيقي!"

ولم يفوت متى أسو الفرصة لمباركة هذا المقال النازي، ولم أجد سوى أن أعلق آسفاً: "لماذا هذه المساهمة في التدمير؟؟ هل هذا ليس بلدكم؟ ألم تعرفوا يوماً أناساً طيبين في هذا البلد لتسهموا في تدميره هكذا؟"

وطبعاً فأن ضمائر صباح أو متي أو آرامي وأمثالهم، لا تطرح عليهم مثل هذه الأسئلة ولا المنطق يطرح الأسئلة الفاضحة لزيف هذا الهراء العنصري مثل: هل يستطيع كل من حصل على 51% وشكل حكومة، أن يغير البلاد ونظامها هكذا؟ ألا تتحدثون عن "دولة مؤسسات" ودستور وقضاء مستقل وإعلام مستقل؟ هل سيستولي المسلمون على كل هذه بينما سكان البلاد الأصليين يتفرجون؟ وإن كان المسلمون متحمسون بهذه الشدة لتطبيق الشريعة في اللحظة التي يصبحون فيها 51%، فلماذا لا نكاد نجد بلداً إسلامياً واحداً يطبق الشريعة، وأغلبها تمتلك أكثر من 90% من المسلمين؟ ولماذا لا يتركز المسلمون في الغرب في أحزاب إسلامية، بدلاً أن ينضموا إلى الأحزاب الوطنية ويتركزون في اليسار كما يحدث في كل بلد أوروبي، ليشمل طيفهم في هولندا مثلاً، حتى الحزب الديمقراطي المسيحي!؟ وهل هذه تصرفات مجموعة متوحشة تنتظر وصول نسبتها إلى الـ 51% لكي تنقض على مجتمعها الغربي بسيوفها معلنة الشريعة، كما تصور مقالة إثارة الذعر لصباح دمّان والدراسة المشبوهة التي يستند إليها إن كانت موجودة بالفعل؟

من يقرأ تعليقات متي أسو وآرامي يشعر أنهما مكلفان بتحويل أية مقالة في الموقع إلى عملية جلد للمسلمين ودفع المسيحيين إلى اليأس من أية حلول. ففي مقالة "اليمين المتطرف" (7) كتبت د. تارا ابراهيم عن ظاهرة نازية خطرة في فرنسا ضد المسلمين، فتحدثت عن اعتداء رجل فرنسي على امرأة لا لسبب سوى أنها ترتدي ملابس (إسلامية؟) لم تعجبه، (للأسف، د. تارا تدهشنا هنا بالقول: "
.خر يهاجرون إليه مستقبلاً ...؟ لا أعرف الى أي مدى يمكن أن نعتبر هذه التغييرات إيجابية ام سلبية"!! ) فيسارع متي اسو إلى قرع ذات الطبول، ..بسلسلة جمل متلاحقة تبدأ بلازمة : "هل سمعت يا دكتورة.."؟.... مثل: "هل سمعت يا دكتورة بخبر العمليلت الارهابية في فرنسا وحدها؟ وكم ارهابي منهم الان يقاتل مع داعش في العراق وسوريا؟"
وطبعاً دون أن يشعر هذا الشخص بأية وخزة ضمير تذكره بأن فرنسا هي من دعمت إرهاب داعش بكل قوة عندما القت حكومتها الذيلية لأميركا، بكل ثقفها وراء الأوامر الأمريكية المدمرة، للمشاركة في تسليح ودعم الإرهاب في سوريا والتسبب في المذابح والدمار الذي حدث فيها وفي العراق لاحقاً، للمسلمين والمسيحيين على السواء، مثلها مثل العديد من الدول الأوروبية التي تتباكى اليوم بسبب الإرهاب الذي سيعود إليها!

لقد رددت حيثما استطعت، ومن تعليقاتي : "المسلمون مستهدفون مثلكم وأكثر بكثير.. ومصيركم ومصيرهم واحد.. أنظر إلى مسيحيي فلسطين أين يقفون؟ من الذي يضطهدهم؟ هل هي حماس أم إسرائيل؟"

وكتبت أيضاً: "أود أن أخبركم أنكم تعاملون بشكل عام باحترام كبير من المسلمين وأن الجميع ينظر إليكم كمجموعة مثقفة مسالمة لكن إن وصلت أفكار أمثال آرامي وأسو إلى الشارع الإسلامي فلن يبق الأمر على هذه الحالة...لو أن أحداً عاملكم بمثل ما تعاملون المسلمين الآن لكرهتموه ... أنتم تستهلكون الصورة الإيجابية التي لديكم عند المسلمين المتعلمين والمثقفين والمعتدلين، .."

إنها ليست ظاهرة محدودة لعدد بسيط من الكتاب للأسف، فيعبر عبدالغني علي يحيى عن عداء واضح للعراق في مقالته: "الجيش العراقي الموحد جزء من الماضي هيهات أن يعود" (8) ودعمه لتقسيم طائفي رسمي للجيش إلى ثلاث جيوش ، ويؤكد ذلك في مقالته الأخرى المعنونة "التجنيد الأجباري كابوس يقض مضاجع العراقيين"، والحقيقة أن هذا "الكابوس" لا يقض إلا مضاجع أمثال عبد الغني، الذين يمثل تمزيق العراق حلماً لهم. (9)

كذلك ترى في الموقع أكثر من مقالة تتحدث عن إهانة "النون"! والفرق بين النصرانية والمسيحية، وهي محاولات التحجج بأسخف الحجج لتحويلها إلى نقاط شقاق، فلم يتذكر هؤلاء هذا الفرق إلا اليوم ولم يروا في الماضي أية إهانة في كلمة "نصراني" التي استعملت لقرون بشكل إيجابي ومحبب حتى في الأغاني العراقية، إلا اليوم! والعجيب أن لهذا الهراء رنينه، وأن العديد من الكتاب في الجانب المسلم يسارع لدق ذات الطبول، بلا اي تفكير!

مقالات د. حبيب تومي تثير الحساسية عندي دائماً، وأما تلك المعنونة "حلو الفرهود لو يصير يومية" (10) فمثال على المبالغات والإستناد إلى أتفه المصادر واستخدام الصور الواضحة التزوير لجلد وشيطنة المسلمين، وربما نتطرق إليها في مقالة أخرى مستقبلاً. وهناك أيضاً دراسة عن تاريخ مكة المسيحي قد تكون متابعة مفيدة في وقت آخر، لكننا لا نملك إلا أن نشكك بطرحها في هذا التوقيت والحديث أن المسيحيين هم "السكان الأصليين" والمسلمين غزاة، لكن دعونا نتوقف هنا قبل أن تخنقنا هذا الرائحة العفنة، لنلتفت إلى الجانب الإيجابي الذي نريد أن يسود ويجب أن يسود..

فقد ردت إدارة الموقع المتمثلة بالأستاذ ماهر سعيد متي (الذي عبر عن دعمه للموقف المعتدل، ولم يسلم، فمسته شضية إهانة من أحد هؤلاء) و د. عبد الأحد متي دنحا، الذي كتب مفحماً الخطاب العنصري الموالي لأميركا: "حسب رأي ان  الجرائم التي يقوم بها داعش  هي ابعد من الطائفية، ولا علاقة له باي دين، وانه  يتخذ الاسلام ستارا لتجنيد الشباب وابتزاز العواطف, ماذا تفسر قتل اكثر من 400 شخص من عائلة ابو نمر وهم مسلمين سنة. ان غرضه تدمير الشرق الاوساط واعادة تقسيمه, بعد هجرة الاقليات والاقتتال مابين الشيعة والسنة. بالنسبة لللاخ صائب ومن خلال متابعة كتاباته منذ فترة, هوبعيد عن الاسلام السياسي, ويركز بشكل كبير على دور اسرائيل وامريكا بما يحصل في المنطقة.
ويرد  د. دنحا على إحدى التخرصات الأخرى بالقول: "صحيح ان الاسلام السياسي من السنة والشيعة هم الذين قاموا بتهجير المسيحيين من بغداد و البصرة والموصل. هنا يبرز سؤال, من كان الحاكم الحقيقي في العراق؟ المسيحي السياسي! و لايستطيع احد ان يطعن بمسيحية بوش!"

هذا ما يسميه صديقي وأسميه "زهرة العراق"!
تفضلوا أيضاً بمقارنة خطابات متي أسو وآرامي وصباح دمّان و د. حبيب تومي، مع مقالة الأستاذ سعد سلوم التي نشرت في نفس الموقع ويعبر عنوانها عن مضمونها الراقي: "المسيحيون مدخل لتحرّرنا كمسلمين - لا عظمة للإسلام من دون مسيحية، ولا يمكن تخيل العراق من دون المسيحيين" (11)

وطبيعي أن لا تحصل مثل هذه المعلقة الرائعة في دعم المسيحيين بالمحبة والإعتزاز الصادقين، على إعجاب متي أوآرامي أوصباح دمّان، فهي لا تنفع لجلد المسلمين.
كذلك لن يأت أي منهم على ذكر الحقائق الإيجابية التي تقول أن المهجرين المسيحيين من قبل داعش قد لقوا الترحاب والأمان في المناطق المسلمة التي لجأوا إليها، شيعية كانت أو سنية، فهذه الأخبار لا تنفع أيضاً في مهمة جلد المسلمين.
ولا ننتظر أيضاً أن يقوم أي من هؤلاء المدعين يوماً بالدفاع عن المسيحيين بوجه السياسة القذرة لأميركا وذيولها الأوروبيين، حتى حين تتسبب بأشد الأذى لأهلهم، فهذا أيضاً لن يخدم للوصول إلى جلد المسلمين وشيطنتهم. لا أحد منهم يشبه في القياس الإنساني والصدق، تلك المرأة السورية المسيحية الرائعة التي مرّغت وحش الحرب البشري جون ماكين بالأرض حين ترجته أن يترك بلدها لشأنه وأن لا يدعم الإرهاب فيه مؤكدة له أن أهلها يعيشون هناك بسلام مع المسلمين قبل تأتي داعش وغيرها التي يدعو ماكين إلى دعمها بالحرب... لن ترَ أسو وآرامي ودمّان وتومي يدافعون عن أهلهم هكذا، فهم مشغولون بأمر آخر وأجندة أخرى، وكم هو الفرق شاسع بين من يدافع عن أهله حقاً ويسعى لأمنهم، ومن يستخدم مأساتهم هراوة لضرب الآخرين، مهما تسببت في الخطر على أهله، ويدعم الغرب مهما كان دوره في مأساتهم!
أنظروا مثلاً إلى صباح منير يكتب (في مقالته "أخطائنا نرميها على غير اوطان") (12) أن من حق أميركا أن تفرض ضريبة من كل دولة ، وأن على تلك الدول أن "تنحني أمام سياستها" لأن أميركا "تحافظ على امن واستقرار العالم وهي تعالجه كـ الأم التي تخاف على اولادها من الانتحار ."!

لقد كتبت يوم أقر مجلس النواب الـ 17% المزيف المشؤوم لكردستان، فاضحاً كذبه، وأنه ليس سوى قرار رشوة وابتزاز، ودعوت الكرد والعرب أن يتلافوا المؤامرة ولا يسمحوا بأن تغور هذه السرقة وأخلاقيتها عميقاً في ذاكرة العرب فتفسد مشاعرهم تجاه الكرد، لكن الرياح جرت بالعكس تماماً مما دعوت له، وكانت المؤامرة أكبر من العرب والكرد معاً، وها نحن نرى نتائجها اليوم من شقاق واحتلال وتعارض مصالح لن يمكن ردمه مستقبلاً، وهو ما أخشاه اليوم على علاقة المسلمين بالمسيحيين.  

أنا أدعو اليوم المسلمين والمسيحيين (بشكل خاص) أن لا يفشلوا كما فشلنا أمام مؤامرة تحطيم العلاقة العربية الكردية، وأن يوقفوا هذا الإتجاه الخطر، وأن لا يسمحوا لمروجي التوتر والكراهية ضد المسلمين، ان يسيطروا على ساحة الكلمة ويقرروا شكل العلاقة المستقبلية بين الأخوة كما تريد داعش تماماً. علينا أن نواجه المؤامرة معاً، وأن تلقم الأفواه الحجارة حين تريد النيل من تلك العلاقة الرائعة التي امتدت قرونا من السلام في هذه البلاد. علينا أن ننبذ من يجهد نفسه في نبش التاريخ وتزويره ليبرهن العداء عنوة، ونقف مع من يبحث فيه عن رموز الأخوة والمحبة. أن نصرخ بوجه من يقسمنا إلى عراقيين "أصليين" و "غير أصليين" أن كل العراقيين أصليين، إلا من يثير الفرقة بينهم، فهو ليس منهم! علينا أن نكون حازمين فلا نسمح إن يحدد تلك العلاقة متعال قبيح يرى الآخر "اقل منه نوعية"، أو وقح يصرح "لن اقارن المسيح بمحمد، فلا مجال للمقارنة"، بل من يرى الآخر "زهرة العراق"، ومن لا يرى قلبه إلا "جوهر الأديان الواحد". إن أردنا ذلك فعلينا أن نعمل بسرعة وحزم، فالوضع حرج جداً!


(1) تهجير المسيحيين... لا تدعوها تصبح وصمة عار في تاريخنا!
http://baretly.net/index.php?topic=38294.0
(2) إسقاط الجنسية المصرية عن المحامى القبطى موريس صادق
https://www.facebook.com/note.php?note_id=188130984567459
(4) "نعم انها وصمة عار"
(5) الصليبيون ... وشيء من التاريخ
http://baretly.net/index.php?topic=41138.new;topicseen#new
(6) أين سيجد أحفادنا وذريتهم في أوروبا وأمريكا وطناً أخر يهاجرون إليه مستقبلاً
(7) اليمين المتطرف / د . تارا ابراهيم
(8) الجيش العراقي الموحد جزء من الماضي هيهات أن يعود /عبدالغني علي يحيى
http://baretly.net/index.php?topic=40905.0
(9) "التجنيد الأجباري كابوس يقض مضاجع العراقيين"
http://baretly.net/index.php?topic=40985.0

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق